البِكارة: شريفٌ وشريفة


إن فوضى الفتاوى التي تجتاح مجتمعاتنا العربية وتنتج فوضى في الممارسات الفردية والمجتمعية تأتي بداية من تقليد الأمر لغير أهله فينبري للفتوى غير أهل الاختصاص والعلم الشرعي من علماء اللغة والطب والانسانيات والفن وغيرها، كل يدلي بدلوه على غير هدى فيضلون ويُضلون، والكارثة الأكبر في علماء السلطان من أهل الاختصاص، الشياطين الخُرس، الذين يزينون ويبررون اتباع الهوى في مقابل تحصيل الشهوات أو بلوغ المناصب بتفسير وتأويل وتحميل النصوص الشرعية ما ليس فيها.

وها هي احدى منظرات الحركة النسوية العربية تفتي في غشاء البِكارة على اعتبار أنه قيد يحد حرية المرأة ويظلمها ويزيد من سلطة الرجال عليها وتقول بالعامية: "ما تخلصونا منو أو تركبوا واحد للرجالة عشان نبقى متعادلين، لكن تقولوا للست خليكي شريفه والراجل يلعب على مزاجو..ما ينفعش"، وتحاول أن تظهر بمظهر الحريصة والمتعاطفة مع النساء المغتصبات اللواتي يظلمهن المجتمع فوق الظلم الذي تعرضن له، وذلك إما بقتلهن أو نبذهن اجتماعيا من غير ذنب اقترفنه، وذلك زيادة في تدعيم وجهة نظرها بضرورة التخلص من ذلك القيد.

وهذا الكلام مردود على قائليه، فإن عدم وجود دلالة بيولوجية تؤكد عفة الرجال وعدم ممارستهم للجنس قبل الزواج لا يعني بحال من الأحوال أن الاسلام كدين وتشريع قيد المرأة بالبِكارة والعفة وترك الحبل على الغارب للرجل ليفعل ما يشاء، إن الآيات القرآنية ذكرت الرجال سواسية بالنساء في معرض التكليف والثواب والعقاب، ولما ذُكر الزنى في القرآن كانت العقوبة هي ذاتها للرجال والنساء في حالتي الاحصان بالزواج أو العزوبية، وما انتكس المجتمع أخلاقيا في فهم وتطبيق الشرف الا عندما ربطه بالإناث دون الذكور، فقد كان الأولون يحرصون على عفة وشرف أولادهم من الذكور كما يحرصون على الإناث، بل كان التوجيه ان العفة مبدؤها من الرجال ثم يأتي التأسي والاتباع من النساء فقد قيل "عفوا تعف نساؤكم"، وخوّف الرجال من عقوبة الزنى لانها ستعود أول ما تعود على أهل بيت الزاني ونسائه "فمن زنى يُزنى به"، ومن روائع قصص الصالحين أن رجلا كان يعمل سقّاء فأرسل ابنه ليعمل في القرية المجاورة فأوصاه قائلا" دينك واتق الله في بيوت الناس"، وفي احد الأيام جاءت ابنته تصرخ وتشكو الى أمها أن السقّاء أمسك يدها عن قصد وهو يناولها جرار الماء، فاستشاط الأب غضبا وأرسل في طلب ابنه وسأله عما اقترفه من سوء أثناء عمله، فقال الأبن "والله يا أبت ما عملت شيئا سوى انني عندما كنت أسقي لاحدى البيوت أعجبتني الجارية التي أطلت علي فأمسكت يدها، فقال الأب: دقة بدقة ولو زدت لزاد السقّا" هذا هو الزنى ودواعيه ومقدماته وخواتمه تعجل عقوبته في الدنيا قبل الآخرة الا من تاب توبة نصوحا، ولكن مفهوم العفة والشرف أكبر بكثير من دلالة بيولوجية كغشاء أو غيره يعرف الأطباء أنه بأنواعه المتعددة وبعمليات ترقيعه المستحدثه ما عاد دليلا دامغا على العفة والطهارة، ولكن هذا لا يجعلنا من الذين تأخذهم العزة بالأثم لنقول بإزالته والراحة منه، إن العفة كما هي في جزء منها دلالة بيولوجية لهي قبل ذلك إيمان ورقابة ذاتية وأخلاق سامية وغض للبصر وتعففٌ عن الخضوع في القول واحتشام في اللباس واستغفار على الصغائر.

لقد كانت المرأة تُنتهك حرمتها وعورتها قديما والداية تعاينها قبل الزواج، ثم تنتظر عائلتها خلف باب غرفتها بعد زواجها دلالة طهارتها وبراءتها في قصر نظر وفهم أن هذا الدليل ما كان الا نتيجة لتربية على الأخلاق والعفة وعدم الاختلاط بالرجال بداع أو بغير سبب، وقد يعتبر ضربا من الجنون أن يسأل الخاطب عن عذرية من يخطبها، فكيف إذن يتزوج الناس ويثقون ببعضهم؟؟ وهل يبقى العريس على أعصابه الى حين ظهور البينة والبراءة؟؟ أم انه يتزوج على هدى وثقة منذ البداية عندما يتزوج على أساس الدين لا على أساس الجمال أو المال، فقد جاء في الحديث: "لا تنكحوا النساء على حسنهن فعسى حسنهن أن يرديهن، ولا تنكحوهن على أموالهن فعسى أموالهن أن تطغيهن ولكن انكحوهن على الدين "واظفر بذات الدين تربت يداك، وإياكم وخضراء الدمن: المرأة الحسناء في منبت السوء". هذه هي العفة والشرف والثقة عندما يتزوج الشاب وتتزوج الفتاة من أسرة تربت على الإيمان والطهارة بكل أفرادها رجالا ونساء، فتكون هذه شهادة الضمان، وصك الأمان، وحسن السير والسلوك، لا فقط الدلائل المادية المحسوسة التي تحتاج لفحوصات واثباتات.

أما النساء الضحايا اللواتي تعرضن للاغتصاب، فإن على مجتمعاتنا أن تراجع وتصحح النظرة والتعامل معهن، ولا تجعل الظلم الذي تعرضن له يزداد ظلمات، فإن الله قد غفر للغامدية التي زنت برضاها بعد توبتها التي لو وُزعت على أهل الأرض لكفتهم كما أخبر صلى الله عليه وسلم، فكيف بمن ظُلمت وقُهرت واغتُصبت دون حول لها ولا قوة، والمجتمع بدل أن يحتضنها ويعاقب من أجرم بحقها، يستقوي على ضعفها ويزيد في كسرها، متناسيا أجر من ستر على مسلم ومسلمة في الدنيا وفرج كروبهم.
إن خطيئة الزنى لا ترتكبها الفتاة الا ومعها شاب يناصفها الحرام والذنب
إن العفة ليست أنثى كما أن الشرف ليس ذكرا.
د. ديمة طارق طهبوب



تعليقات القراء

بنت جراسا
بارك الله بك ايتها الرائعة ديما
نحتاج حقيقة لقلم متنور وعقل منطقي يحتكم للدين والعلم والمنطق
09-05-2009 12:58 PM
منال بدران/الجامعة الاردنية
سلمت يمناك اخت ديما
ولا عجب وانتي ابنة اهل علم واخلاق
رحم الله زوجك طارق ايوب وجعله في مرتبة الشهداء اللهم امين
09-05-2009 01:00 PM

أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات