هل نحن بحاجة الى ديمقراطية أم الى حرية?


على ما اذكر, فان جميع حركات التغيير والمعارضة العربية كانت وما زالت تنادي وتطالب بالديمقراطية. واعتقد ان الديمقراطية في ذهن هذه الحركات تعني تحقيق مشاركة شعبية حقيقية في صنع القرارات المهمة والمصيرية, عن طريق تشكيل برلمانات تفرزها انتخابات نيابية نزيهة ... برلمانات تمثل الشعب تتمتع بارادة تشريعية مستقلة.

وسواء تحقق ذلك بضغوطات من هذه الحركات, او برغبة ذاتية من الانظمة, فان البرلمانات والانتخابات التي تفرزها, تعتبر الوجه الاوحد للديمقراطية في البلاد العربية. هذه البرلمانات انتشرت في معظم الدول العربية حتى في تلك التي حكمتها او تحكمها ديكتاتوريات واضحة, ما افقد هذه الديمقراطيات المعنى والهدف المقصود منها, وجعل من بقائها رداء خارجيا يبعد عن انظمتها شبهات الشمولية.

لقد اوقع هذا الوضع حركات التغيير والمعارضة العربية في مأزق, فقد تحقق الهيكل الشكلي للديمقراطية التي طالما طالبت بها, لكنها اكتشفت ان جوهر ما ارادته منها لم يتحقق, اذ ان القرارات المصيرية ظلت في يد سلطات الانظمة, ولم تتغير كثيرا نسبة المشاركة الشعبية في صنع القرارات المهمة, بل اكتشفت كذلك ان بعض هذه البرلمانات التي سعت جاهدة لتكوينها انقلبت الى اداة تشريعية لقمع الحريات الاساسية.

لا شك انه وضع محبط ناتج عن ان جهود حركات التغيير والمعارضة العربية وُجهت خلال نصف القرن الماضي نحو تحقيق الديمقراطية بدل ان تكرس جهودها لتحقيق الحرية اولا, التي تعني تحرير المواطن العربي من القيود التي تفرضها القوانين المحلية او الانظمة العربية على حرية الفكر ونشره, وحرية الاجتماع, وحرية العمل الجماعي. فعلى ما يبدو وكما ثبت, لا يمكن تحقيق ديمقراطية حقيقية قبل تحقيق الحرية الشعبية, كما في لبنان الذي حرس حريته منذ نشوئه بشكل مقدس فأبقى بذلك على ديمقراطيته, بينما التهت بعض البرلمانات العربية بحماية الديمقراطية مهملة حراسة الحرية.

مع ان هناك ارتباطا قويا بين الحرية والديمقراطية, غير ان الديمقراطية الحقيقية لا يمكن ان تولد وتنمو الا اذا قامت على بساط من الحرية الشعبية. فقد تأكد ان الديمقراطيات التي لا تسبقها حرية شعبية تنتج برلمانات عاجزة عن تحقيق حرية ... اي ان الحرية قادرة على انتاج ديمقراطية حقيقية, لكن الديمقراطية في البلاد العربية غير قادرة على انتاج حرية.

ولهذا, فعلى قوى التغيير والمعارضة ان تركز جهودها على هدف تحقيق الحرية الشعبية, بكل ما تعنيه وما تتطلبه من مواجهات وصراعات, قبل ان تطالب بتحقيق الديمقراطية التي ستأتي على الاكثر كتحصيل حاصل. يجب ان يكون فخريا وتفاخرنا بسبب حريتنا لا بسبب ديمقراطيتنا المتمثلة في البرلمان والانتخابات.

نحن الآن في العالم العربي بحاجة الى حرية, ولا الى ديمقراطية.

 


 



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات