دولة فلسطينية ام ضريح للقضية?


... لكن مسؤولية الغرب عن نكبتنا لا تعني القاء التبعية كلها على العوامل الخارجية واعفاء النظام العربي والامة من المسؤولية.

 

هل هناك من يجهل وينبغي اعلامه ان الاسرائيليين يحتلون منذ عام 1948 معظم اراضي فلسطين التي مساحتها الاجمالية 27 الف كيلو متر مربع, وان اراضي الضفة والقطاع المحتلة عام 1967 مساحتها حوالي ستة آلاف كيلو متر مربع, اي حوالي خمس مساحة فلسطين? ان هذا الخمس المتبقي هو الذي ستقام عليه الدولة الفلسطينية, في حالة قيامها, غير انه ليس معروضا بكامله على الفلسطينيين لاقامة دولتهم القابلة للحياة حسب التعبير الامريكي, بل ولا حتى معظمه, فالمعروض هو نصفه او اكثر قليلا, حيث النصف الآخر من هذا الخمس استولى عليه الاسرائيليون وحولوه الى مستعمرات استيطانية, ومزقوه بالجدران العازلة, فكيف ستنهض دولة فلسطينية قابلة للحياة على مساحة تتراوح بين ثلاثة آلاف الى اربعة آلاف كيلو متر مربع, في حالة تفكيك بعض المستعمرات الصهيونية تحت الضغط الامريكي?.

ان السكان الفلسطينيين الحاليين في نصف الخمس المتبقي من ارض فلسطين يُعدّون حوالي اربعة ملايين نسمة, علما ان مليونا ونصف المليون منهم محشورون في القطاع الذي مساحته حوالي 360 كيلو مترا مربعا فقي لا غير! هذا من دون ادخال فلسطينيي الشتات في الحسبان, وعددهم حوالي اربعة ملايين! ومن دون الاهتمام بمصير مليون ونصف المليون فلسطيني يعيشون في الاراضي المحتلة عام 1948 تحت سيف اعلان الدولة اليهودية العنصرية المسلط على رقابهم, فإما العبودية بكل معنى الكلمة تحت نير الدولة اليهودية وإما التهجير والشتات! فأية دولة قابلة للحياة سوف تقام على هذا الاساس?.

غير ان الادارة الامريكية الجديدة تؤكد وتكرر انها مصممة على بذل الجهد من اجل اقامة دولة فلسطينية على اراضي الضفة والقطاع, الاراضي المحتلة عام ,1967 وان هذه الدولة سوف تكون قابلة للحياة, وسوف تعيش الى جانب جارتها الاسرائيلية في سلام, وبالتالي يصبح ما ينبغي التساؤل بصدده هو: اية حياة يعنون, واي تعايش واي سلام يقصدون?.

ان الاسس, والوقائع والخطط التي ينطلق منها الامريكيون تقول ان ما سوف يحققونه, اذا ما تحقق, لن يكون ابدا دولة فلسطينية قابلة للحياة, بل ضريحا للقضية الفلسطينية! وقد وصف المبعوث الدولي, السويسري جان زيغلر, الوضع الحالي في فلسطين قائلا: انه نظام استعماري, وان الفلسطينيين العزل يعيشون يوما بيوم, فهم لا يعرفون ماذا سيأكلون في اليوم التالي, بينما اراضيهم تقضم بشكل دائم والاحتلال يواصل ضم الاراضي! قال زيغلر: انا لا اعتقد ان بالامكان اقامة دولة فلسطينية, فلم تعد هناك حدود يمكن التفاوض عليها, ولم تعد هناك دولة يمكن ان تقام على ما تبقى من ارض (صحيفة الاخبار البيروتية - 27/11/2007)!.

لقد تحدث زيغلر بوضوح واستقامة عن الاحتلال الاسرائيلي المحمي والممول من الولايات المتحدة, وقال انه, بصفته اوروبيا, لا يستطيع قبول تواطؤ الاتحاد الاوروبي مع الاحتلال الاسرائيلي, وانه ينبغي على الاوروبيين التمسك بحد ادنى من المبادئ, غير ان اوروبا - حسب زيغلر - تعاني فقرا مدقعا في الاستقلال (عن الولايات المتحدة) وفي التضامن (مع الشعوب المظلومة) مضيفا ان منظمة الامم المتحدة تبدو بلا حول ولا قوة, فما معنى وجودها في اللجنة الرباعية ما دامت لا تستطيع سوى الكلام? اما عن اللجنة الرباعية فقد وصفها زيغلر بأنّها لا تعدو كونها واجهة لمحلّ تجاري, فهي مجرّد وهم من الاوهام, يراد منه التعمية على الوضع وابقاء الحالة في فلسطين على ما هي عليه! وها نحن بدورنا نرى ان الاسس والوقائع والخطط التي تريد الادارة الامريكية ان تقيم عليها دولة فلسطينية قابلة للحياة لا يمكن ان يترتّب عليها سوى الوهم, للأسباب التي عرضنا عموما جوانب منها!

انّ المعلومات الرسمية الدولية عن الوضع في فلسطين المحتلة, قبل عمليات القتل والتدمير الشامل الاخيرة ضدّ قطاع غزّة, تقول ان 65 بالمئة من الفلسطينيين يعانون سوء تغذية دائم, واكثر من 15 بالمئة من الاطفال دون العاشرة يعانون تشوّهات عصبية نتيجة سوء التغذية, ونحو 80 بالمئة من المياه الجوفية في الضفة والقطاع تصبّ في المستعمرات الاسرائيلية وفي الاراضي المحتلة عام ,1948 بحيث فرض على الفلسطينيين شراء الماء من شركات اسرائيلية خاصة, كذلك كانت هناك حتى العام 2007 اكثر من 285 بلدة وقرية فلسطينية في الضفة والقطاع معزولة بالكامل نتيجة الحصار العسكري الاسرائيلي, فصار العمل الزراعي محدودا للغاية, وكذلك العمل التجاري! وجدير بلفت النظر ان هذا يحدث بوجود سلطة فلسطينية متساهلة ومتعاونة الى ابعد الحدود, اما في قطاع غزة فإنّ مليونا ونصف المليون فلسطيني محتجزون في قفص مغلق مساحته 360 كيلومترا بتهمة تهديد امن اسرائيل والولايات المتحدة والنظام الرسمي العربي! ومع ذلك يريد الامريكيون ان يستخلصوا اليوم من هذا الواقع حصرا دولة فلسطينية قابلة للحياة! فهل هذا معقول?

ولكن ماذا عن موقف حكومات النظام الرسمي العربي, التي ينهمك بعضها اليوم في السعي لانجاح المبادرة الامريكية الجديدة? اننا لا نجد ما نقول عنهم ولهم افضل مما قاله الشهيد احمد ياسين في رسالته الموجهة الى مؤتمر القمة في العام ,2004 قبل استشهاده بأيام قليلة, فقد خاطب الحكام العرب قائلا: ان تمزّق الوطن العربي وضعفه وتنازعه انتج تبعية لامريكا والغرب اضرّت بفلسطين وشعبها كما اضرّت بالمواطن العربي عموما, وهذه الحالة المؤسفة هي نتاج تخطيط استعماري صهيوني قديم جدا.. ان السياسة الغربية, وبالذات البريطانية والامريكية, هي المسؤول الاول والاساسي عن حالة التمزّق العربي وعن قيام الكيان الصهيوني واستمراريته, وايضا عن معوقات التحرير ونهضة الامتين العربية والاسلامية, لكنّ مسؤولية الغرب عن نكبتنا لا تعني القاء التبعة كلّها على العوامل الخارجية واعفاء النظام العربي والامة من المسؤولية, فاستمرار النكبة وتفاقمها يعود الى فشلنا ايضا, وليس الى قوة العدو والتآمر الدولي فقط! وقد ختم الشهيد نداءه الى الحكّام العرب بالقول: لا تنتظروا منّا ان نستسلم ونرفع الراية البيضاء, لأننا تعلّمنا اننا سنموت ايضا ان فعلنا ذلك, فاتركونا نموت بشـرف المجاهـد.. نرجـوكم ان لا تكونوا علينا.. بالله عليكم لا تكونوا علينا يا قادة امتنا!0



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات