إلى الأبد


للكرسي جاذبية شديدة ، لا يعرفها إلاّ من جرّبها ، أو من كان قريبا أو تعامل مع من جرّبها . وللمنصب بريقٌ خاصّ ، مهما كان مستوى المنصب ، يعرفها من عاش أو عايش التجربة . لذلك الموت عند البعض أهون من التخلي عن المنصب أو إزاحته عنه . ويهون دونه المال والأهل والناس أجمعون . لذلك فانّ حالة من الاكتئاب والاعتزال والانزواء عن الناس تُصيب من ابتعد عن الكرسي لسببٍ أو آخر .

شتّان بين حاكمٍ يطربُ عندما يُهتفُ له إلى الأبد ، وكأنَّ الدنيا تدوم لحيٍّ ، فيُصدّق ذلك ، ويفقد صوابه ويعيثُ في البلاد دماراً وخرابا ، وفي شعبه قتلاً وتشريداً ، لمجرّد أن طالبه شعبه أو جزء منه بالتنحي والتّخلي عن الكرسي ، لمواطنٍ آخر ، لا يختلفُ عنه ، وله الحقّ مثله تماما ، أن يكون حاكما لبلده . وبين حاكم يتخلى طوعاً ودون إكراه عن الحكم ، فيخرج معزّزا مكرّماً ، محبوباً ممدوحاً .

إنّ مصطلح الحاكم السابق غير معروف في العالم العربي . حتى في الجمهوريّات والتي الأصل فيها تداول السلطة تمّ تأبيد الحاكم والحكم ، وان حدثت انتخابات فهي شكلية ، ويُغيّر الدستور بسرعة ليتم حل أي مشكلة تحول دون استمرار الرئيس وبقاءه في الحكم . فيكبر في السنّ ، ويمرض ويجري عليه ما يجري على كبار السنّ ومع ذلك يتمسك بالمنصب ولا يخرج منه إلاّ محمولا على الأعناق أو مُكرهاً .

وقد انتقلت عدوى القائد الأوحد الرمز الذي لا يتغيّر ولا يتبدّل ، إلى الأحزاب والحركات ، إلاّ قليلا . فالحزب الذي أنجبه عقُم و لا يستطيع إيجاد سواه . ومستقبل الحزب مرهونٌ بوجوده . وغياب هذا القائد الرمز لا يمكن تعويضه . فكوادر الحزب ليس فيها من يستطيع تحمّل المسؤوليّة . فقدراته خارقة ليس لها مثيل . بل وجدنا في بعض الأحزاب ما هو أكثر من ذلك ، فيتم توريث القيادة . فتنتقل الزعامة للابن أو الزوجة . وكأنّ الحزب شركة خاصّة . وللأسف فانّ غالبية هذه الأحزاب نجد في أسماءها الطويلة عادة كلمة الديمقراطي .

لقد انتقل الشيخ حمد ليصبح الأمير السابق لدولة قطر ، ونقل السلطة بسلاسة و بكامل إرادته ، فضرب بذلك مثلاً حميدا ، بالتخلي عن السلطة وبريقها وجاذبيتها ، ليتمتع بحياته وبقادم أيامه وهو يحمل لقب حاكم سابق . وانضّم بذلك إلى كوكبة من الرجال المحترمين الذين تخلّوا عن القيادة طوعا قبل الموت ودون انقلاب أو أجبار ، كالرئيس شكري القوّتلي السوري الذي تخلى عن السلطة لتحقيق الوحدة مع مصر . وكالمشير سوار الذّهب ، والذي له من اسمه نصيب ، فسلّم السلطة إلى حكم مدني في الوقت المحدد وكما وعد بالضبط ، ولم تُغريه السلطة ليلتّف بمسوّغات كثيرة على وعده كما فعل ويفعل الآخرين .

لقد كنت أحترم الرجل ( الشيخ حمد ) لمواقفه الكثيرة والتي نقلت قطر لتقوم بدور أكبر بكثير من حجمها . كما أحدث نقلة كبيرة لوضع للإنسان القطري ليصبح الأعلى دخلا . مع إحداث تطوير تنموي هائل في مختلف المجالات .

أما الآن فقد ازددت له حباً وزاد تقديري له متمنياً له دوام الصحة والعافية ، آملاً للأمير الجديد التوفيق والاستمرار في نهج التنمية والتطوير الداخلي والانفتاح الخارجي والسير على خطى من سبقه  وكما كانت دولة قطر رائدة في مواقفها ، كانت رائدة في هذه السّنة الحسنة .



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات