عندما يتقرب الأكاديمي من السلطة هل يفقد مصداقيته؟


اطل علينا فرانسيس فوكوياما عام 1989 بمقالته التي ذاع صيتها في أرجاء العالم والمعنونة ب(نهاية التاريخ) والتي شرح من خلالها رؤيته إلى النظام العالمي الجديد حيث ذكر فيها أن تاريخ الاضطهاد والعبودية قد ولى من غير رجعه بعد انتهاء الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي وانهيار جدار برلين ثم قام فوكوياما بشرح نظريته هذه من خلال إصداره لكتابه (نهاية التاريخ والإنسان الأخير).

فالديمقراطية الليبرالية المنتصرة كما يرى أصبحت الكلمة الأخيرة في حياة البشرية، وتمثل ذروة عملية التطور السياسي، وأكثر الأنظمة التي عرفتها البشرية إنتاجية وأكثرها انسجاما مع الطبيعة البشرية. وقد عبر فوكوياما في مقالاته ومؤلفاته في السنوات الأخيرة عن قناعته بأن النموذج الأمثل للديمقراطية الليبرالية التي يتحدث عنها هي الولايات المتحدة الأمريكية وعلى الولايات المتحدة أن تستخدم القوة في ترويجها للديمقراطية، ولكن بالتوازي مع نوع من الدبلوماسية فوكوياما من أكثر الكتاب الذين جندوا أفكارهم للنظرية الأمريكية , فبرغم من أنه من أبوين يابانيين إلا أن ولاءه وحبه لأمريكا فوق كل شيء ،حيث حاول فوكوياما جاهدا أن يثبت في كتابه الشهير "نهاية التأريخ"، أن العالم بأسره قد اتفق بالإجماع على قيم أساسية فيما يختص بالحرية والديمقراطية فهو عصر انتصار الغرب وتربع الليبرالية والسوق على عرش العالم، ونهاية الصراع التاريخي الطويل لصالح القيم الغربية وخلاصة فكرته أنه بعد انهيار الأيدلوجية المنافسة للغرب وانهيار الإتحاد السوفيتي وكذلك زوال الحكومات الفاشية في البرتغال وأسبانيا واليونان وجميع دول أمريكا اللاتينية، لم يعد أمام العالم سوى أن يأخذ بأيدلوجية الغرب التي غدت قائمة وحدها في الميدان .أظن أن اكبر نقد يوجه لفوكوياما هو انه قد وضع نفسه مسبقا في المكان الذي يدافع من خلاله بكل شراسة عن النظام الجديد وهو يحلل أي حدث أو تغيير يواجه المجتمع الحديث من خلال الانتماء إلى نموذج الولايات المتحدة الأمريكية وغض الطرف عن أي نقاش في بنية هذا النظام بالنقد أو التحليل فهي ذلك النموذج الناجح المنزه عن أي خطأ لا يصدر عنه أي سلبية حسب رأيه.

بعد ما حل بالولايات المتحدة من تصدع على المستوى العسكري والاقتصادي المالي اطل فوكوياما بمقالة اخرى يقول فيها:

الأفكار هي إحدى أهم صادراتنا. وهناك فكرتان أمريكيتان طغتا على التفكير العالمي منذ أوائل ثمانينات القرن الماضي عندما انتخب رونالد ريغان رئيسا. الأولى كناية عن نظرة معينة للرأسمالية، قوامها أن الضرائب المنخفضة والقيود الخفيفة والحكومة الصغيرة ستحفز النمو الاقتصادي. وقد عكست فلسفة ريغان الاقتصادية نزعة إلى توسيع الحكومة دامت قرنا. وأصبحت إزالة القيود النزعة القائمة، ليس فقط في الولايات المتحدة بل في كل أنحاء العالم.

الفكرة الثانية الكبيرة هي أن أمريكا داعمة وناشرة للديموقراطية الليبرالية في العالم، وهو ما كان يعتبر السبيل الأفضل إلى نظام دولي أكثر ازدهارا وانفتاحا. لم تكن قوة ونفوذ أمريكا مرتبطين بدباباتنا وعملتنا فحسب، بل بواقع أن معظم الناس كانوا منجذبين إلى نموذج أمريكا في الإدارة الحكومية وأرادوا أن يغيروا مجتمعاتهم بطريقة مشابهة، وهو ما أطلق عليه العالم السياسي جوزف ناي اسم القوة الناعمة.

يصعب تصور الكيفية التي سقطت بها مصداقية هذه الميزات الأساسية للنموذج الأمريكي. بين عامي 2002 و2007، فيما كان العالم يتمتع بفترة غير مسبوقة من النمو، كان من السهل تجاهل هؤلاء الاشتراكيين الأوروبيين والشعبويين الأمريكيين اللاتينيين الذين كانوا ينددون بالنموذج الاقتصادي الأمريكي واصفين إياه برأسمالية رعاة البقر. لكن محرك هذا النمو، أي الاقتصاد الأمريكي، خرج الآن عن سكته، ويهدد بجر بقية العالم إلى الهاوية معه. والأسوأ من ذلك أن الخطأ يقع على النموذج الأمريكي نفسه: فواشنطن التي اتبعت شعار الحكومة الصغيرة، فشلت في تنظيم القطاع المالي بشكل مناسب وأتاحت له أن يلحق ضررا كبيرا ببقية المجتمع.

ماجستير علم الاجتماع



تعليقات القراء

سفيان الشمايلة
ليست الديمقراطية التى تحيى الشعوب وانما المبادى والقيم المتجانسة بين الشعب الواحد والسلطة تفقد المصداقية لأنها تقوم على الاحتيال الضحك في الوجوة والطعن من الخلف اينما كانت السلطة وليست القوة تفرض نفسها بقدر وجود شعوب تحني رؤوسها للأستعمار وترحب به وبين شخص يقف في وجه الجبال مع كل الاحترام
07-05-2009 11:23 AM

أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات