صراعات في المشهد السوري


بات الصراع في سوريا دوليا ويُغذى بالصراع المذهبي لتحقيق المآرب وثمنه دماء السوريين بالمد والجزر قتلا وخرابا للدولة السورية، فتأخر الحل، لقد تضاربت مصالح دول خارجية وأخرى في المنطقة وتعقد الصراع فمن ثورة داخلية ضد الظلم والفساد والعبودية إلى صراع بين روسيا وأمريكيا وحلفائها الغربيين وهما طرفان يلتقيان عند نقطة واحدة في ضرورة إبقاء المنطقة خارج البنية الحضارية وخاصة الإسلامية ويختلفان في تحقيق المصالح المادية، إلى صراع بين إسرائيل وقوى التحرر القادمة، وفي الغالب لا وجود لصراع عربي سابق مع إسرائيل، وهناك صراع بين الدول الغربية وإيران وصراع طائفي أشعلته قوى الاستعمار الغربي والجهلة في المنطقة بعد أن بدأ الأمر يفلت من يدها تحت زحف حركات التحرر وسقوط الأنظمة العربية الموالية في المنطقة. إلى صراع السيادة على المنطقة بين دول المنطقة كإيران وتركيا. إلى خوف الخليج العربي من التمدد الإيراني.

تكاثرت أشكال الصراع وتعددت طرق الإدارة والمواجهة وباتت المصالح جامعا مشتركا للأعداء التقليديين وليست الاعتقادات والفكر. فاليوم تلتقي مصلحة الغرب ومعها بالطبع إسرائيل مع مصالح إيران على إضعاف القوى التحريرية القادمة لأنها تشكل خطرا على المشروع الاستعماري (السيطرة) لكلا الطرفين حتى أن الغرب وإسرائيل وإيران قد سهل الأمر للنظام السوري وحزب الله في مواجهة الثوار في سوريا ووصل التعاون بينهم إلى أن تسمح إسرائيل العدو التقليدي لسوريا والأمة العربية والإسلامية للنظام في سوريا بأن يدخل المنطقة العازلة بينهما لمطاردة الثوار السوريين وأن تسكت إسرائيل عن تدخل حزب الله في سوريا وهو عدوها الذي أذاقها الهزيمة في جنوب لبنان ولا تستغل الفرصة في ضربه وإن كانت الضربة ستأتي لاحقا، وما قيام إسرائيل بضرب مواقع في سوريا إلا من باب ذر الرماد في العيون حتى تجلب تعاطف العرب وغيرهم لصالح النظام السوري، فإسرائيل تصرح مرارا وتكرارا أن نظام الأسد أفضل من القوى التحررية القادمة وكذا صرحت روسيا فمصلحة إيران وإسرائيل والغرب وروسيا في القضاء على قوى التحرر الصاعدة خوفا من تشكل تحالف حضاري قوي مقاوم لها خاصة أن إيران وأتباعها قلة في العالم الإسلامي ولا خوف منها يذكر من الناحية الحضارية على المشروع الغربي، غير أن الحسابات الإستراتيجية للغرب تمنع قيام أي دولة قوية في المنطقة أيا كانت. وحتى لا يخسر الغرب شيئا في هذا الصراع يحاول إدارة الصراع عن بعد بإيجاد دول تواجه المد الإيراني، وقد حاولته من قبل بين إيران والعراق ولكن جاءت الرياح بما لا تشتهي سفن الغرب، فاستغلت إيران الفرصة وتقوت وأصبحت العراق في حلف إيران وحتى لا تتمدد إيران المجاورة للنفط العربي عصب الحياة الغربية وجب على الدول الغربية أن تلجمها بأنظمة عربية لا ترقى إلى مستوى الدولة المستقلة التي تملك زمام أمرها، غير أن لجمها بالطريقة التي تريد قد قطعه ما حدث من ثورات عربية وصبغتها العامة صبغة إسلامية مناهضة لمشروع الاحتلال الغربي، وكاد الغرب أن يقع فريسة لما دبر في العراق إن لم يقع، وحتى لا يقع أخذ يستغل الثورات بما يمتلك من أوراق قوة في المنطقة والعالم.

وفي خضم هذا الصراع وتنوعه يبرز الخوف الخليجي من إيران ففي حال تمكن النظام في سوريا من البقاء فإن الخليج مهدد بالاجتياح، فمنطق القوة ووجود التابعين لفكر إيران في المنطقة ودعمها لهم وما حصل في سوريا من دمار ودماء يجعل الخوف من إيران حقيقيا ولا بد من علاجه سريعا بدعم الثوار في سوريا وإلا فالاجتياح الإيراني للخليج قادم، وإن لم يفعلها الخليج فإنه إلى زوال وإن كان أتباع إيران في المنطقة قلة، فإن القوة ذات غلبة في موازيين الحضارات المادية بعيدا عن الجوانب الإيمانية فحزب الله قلة في لبنان ويسيطر عليها والعلويين قلة في سوريا ويسيطرون عليها والحوثيون في اليمن جاهزون والشيعة في السعودية كذلك، وفي دول الخليج الأخرى أقلية موالية لإيران وأغلبية. فالقلة قادرة على بسط نفوذها بوجود الداعم الحقيقي والقوي وغياب الوعي والإرادة والوحدة عند الطرف المقابل على كثرته فهو كزبد البحر وهمة العبيد. وقد تفلت إيران من سيطرة الغرب وردعه فمنطق التاريخ يقول أن صاحب الإرادة والعزم لن يبقى مستضعفا وقوى البغي لا تدوم وإن علت. وحماية الغرب للخليج ليست دائمة، وليس من المستحيل لجم قوة الغرب وهي قوة متقلبة متنقلة مع تبدل مصالحها.

وفي هذا المشهد تتضارب مصالح روسيا والغرب وإسرائيل من جهة ومن أخرى مصلحة الخليج، وعلى الخليج أن يدفع الخطر القادم بنفسه بما يمتلك من أوراق اللعبة وهي كثيرة غير أنه ضعيف ولكن يجب عليه ألا يركن لحماية الغرب على قلة ما لديه فلغة المصالح فيها بيع وشراء. فتقسيم السعودية أو بيع جزء منها لإيران في إطار المصالح وارد.

إن البعد الاستراتيجي الغربي الإسرائيلي في خضم هذا الصراع يقضي بعدم ولادة دولة جديدة تحكمها قوى التحرر لأنها بالنتيجة ستتوحد وتلتقي مع غيرها من قوى التحرر الأخرى وهذا يهدد الغرب الذي تهمه مصالحه وعلى رأس مصالحه منع قيام أي دولة ذات بعد حضاري في المنطقة. وهذا ما دفعهم لغزو العراق، لأنه يمثل مشروعا عربيا مخلصا وإن تجبر صدام فهو يهدد مصالحهم حقيقة لا تمثيلا.

إن الحسابات على المدى الاستراتيجي البعيد وليست على مستوى صراع داخلي في سوريا أو أي دولة بمفردها، ومن هنا نرى محاولات إجهاض الثورات العربية بدعم خفي ينفذ بأيد عربية تربت على العبودية من بقايا الأنظمة التي فقدت سيطرتها ومعها عوام ومرتشون في الأمة وعلى رأسهم الحاقدون من أصحاب الايدولوجيات المنتهية صلاحيتها الذين لم يعد لهم مكان تحت الشمس.

الدكتور محمود الهواوشه



تعليقات القراء

مرح
هذه مؤامرة كبيرة على تجزئة الوطن العربي وتفكيكة وتدمير البنى التحتية له، وهذا يدل على مدى تواطؤ زعمائنا العرب مع الغرب، والسعي وراء جلب مصالحهم الشخصية مع الغرب في ابادة شعوبهم من اجل الحفاظ على مناصبهم الواهنة
25-06-2013 12:18 PM
ابو ايوب
صدقت ابا سليمان واحسنت قولا
26-06-2013 09:12 PM

أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات