إسلاميو النقابات يريدون النسبية


قبل ثلاثة أعوام كتبت مقالا يحمل عنوانا مغايرا تماما لهذا العنوان و قامت كبريات الصحف اليومية الرسمية بنشره على غير العادة، و اليوم بت على قناعة تامة بأن مطلب النسبية أصبح رغبة ملحة من جميع الأطياف السياسية باستثناء طيف واحد هو الطيف الحكومي الرسمي.

في المقال الأول كنت أرى الإسلاميين يطالبون بالنسبية فعليا في الانتخابات النيابية حيث هم أقلية محاصرة تبحث عن مشاركة أوسع، و لكنهم يطالبون بالنسبية مجاملة لا رغبة و لا قناعة في الانتخابات النقابية حيث لهم اليد الطولى و السيطرة التامة في معظم النقابات المهنية.

أما اليوم فقد تغيرت المعادلة حيث لا زال الإسلاميون على الصعيد النيابي أقلية كما كانوا و لكنهم على الصعيد النقابي بدؤوا يفقدون بريقهم الجماهيري بخسارتهم منصبي نقيب المحامين و نقيب الأطباء و لو بفوارق بسيطة، فيما يعيشون في الزراعيين عزلة عن التوجهات الأخرى صنفتهم في قائمة المنفردين بالسلطة، و في المهندسين حيث الاستقطاب الأكبر بدؤوا يشعرون أنهم لن يفقدوا كثيرا من السلطة في ظل تقاسم الأمر الواقع مع حلفائهم اليساريين بفارق بسيط ، و هو أنهم بالنسبية يتشاركون مع أطياف أوسع تمثيلا مشاركة حقيقية لا صورية، مما يوفر لهم المصداقية و يزيح اللثام عن معالم القوة أو العجز الفعلية لدى منافسيهم، و يضمن لهم في الوقت ذاته أغلبية مريحة للعمل و الإنجاز مع رقابة فعالة و قاسية تسدد و تصوب و توجه و تحاسب.

أما على صعيد المنافسين من الأطياف اليسارية و القومية و أنصار التنظيمات الفلسطينية فهم يرحبون بالنسبية لأنهم لم يتمكنوا طيلة عقدين من العودة إلى سدة السلطة النقابية مع أنهم يحققون نسبة تأييد تصل إلى أربعين بالمائة من المنتخبين، و هذا يشعرهم بالإجحاف من القانون الانتخابي التقليدي الحالي، و يمكن استثناء حلفاء الإسلاميين الحاليين من اليساريين من هذا الموقف حيث يعلمون يقينا أن ما حققوه من تحالفهم هذا لا يمكن أن يصلوا إليه لو طبق النظام النسبي و عادوا إلى قواعدهم في القائمة الخضراء، خصوصا أنه من المستبعد أن يستمر تحالفهم مع الإسلاميين حال تطبيقه لمحدودية المقاعد.

و في رأيي أن الخاسر الأكبر من تطبيق نظام النسبية في الانتخابات النيابية أو النقابية هي التيارات الوطنية المحسوبة على التوجه الحكومي و كذلك المستقلون الذين يصعب عليهم تشكيل القوائم دون دعم حزبي و فكري منظم، فهؤلاء لا يخدمهم سوى نظام الصوت الواحد الذي يبرز الشخصيات القوية انتخابيا بصورتها الفردية و يحطم آمال القوائم الجماعية المنظمة و التيارات الحزبية.

و إذا كانت الصورة الحزبية مطلبا ديمقراطيا حضاريا في التنافس السياسي النيابي فإنها في الميدان النقابي تعد مثلبا تحاول مواراته كل التيارات الحزبية تحت شعارات نقابية و مهنية متشابهة من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، و هذا يضعنا أمام سؤال محير، فإذا كانت البرامج و الشعارات متطابقة إلى هذا الحد و كان التفاضل على أساس برامجي و مهني لا حزبي و لا سياسي فلم التنافس المحموم و الاختلاف المذموم إذا؟!

إن النقابي المستقل - و هو يمثل نسبة كبيرة من الأغلبية الصامتة التي لا تشارك في الانتخابات النقابية و تكاد تصل إلى ثمانين أو تسعين في المائة- مهما بلغ من الكفاءة و القدرة و الحنكة القيادية يبقى عاجزا – في ظل النظام الانتخابي التقليدي الحالي أو النسبي- عن الوصول وحده إلى أي موقع قيادي نقابي دون أن يضغط على قناعاته الشخصية و يطوعها أو يجمدها للانضواء تحت تيار سياسي نقابي يضمن له الوصول إلى مبتغاه، بينما تتمكن بعض العناصر الحزبية الخاملة مهنيا و نقابيا من تبوئ مناصب عليا بمؤهل واحد وحيد هو مواقعهم السياسية والحزبية.

كل هذه المبررات - حيث النظام الحالي أو النسبي يكرس الحزبية- ستستخدمها الحكومة لتمرير قانون النقابات المهنية المنتظر بنظام الصوت الواحد الانتخابي، و إن لم تتمكن و اضطرت تحت وابل الضغوط السياسية و النقابية و الشعبية إلى تبني النظام النسبي فربما نشهد خارطة تحالفات جديدة قد يصطف فيها البيض و الخضر جنبا إلى جنب في مواجهة التيار الحكومي أو الوطني أو المستقل، أيا ما شئنا تسميته و لكنه تيار قادم جديد قد يقلب المعادلة.
 

hishamkhraisat@hotmail.com



تعليقات القراء

المهندس أمير عبدالمجيد ابوخيران
الاصل في الاسلاميين ان يتحالفوا مع المستقلين و اتجاه فتح لانهم الاقرب اليهم من الناحية الايدولوجية على العكس من حلفائهم اليساريين ذوي التوجه الماركسي و القوميين البعثيين
04-05-2009 11:44 PM
مش صحيح
اسلاميو النقابات "لا" يريدون النسبية
05-05-2009 01:55 AM
عقباوي
اي نسبية يا بوك ،،، النقابات لحماس و بس و ازا صار في نسبية حتتقاسم مع فتح و الجبهة الشعبية والجبهة الديمقراطية يعني امتداد لفصائل فلسطينية الاصل انه دورها مش هنا دورها المقدس و اللي كلنا بندعمه هناك في النضال لتحرير الارض المحتلة
05-05-2009 02:00 AM
ضد النسبية
النسبية تكرس الحزبية و انا مع الصوت الواحد الذي يعطي الحق الانساني للفرد المتميز ان يشارك بفاعلية بمجريات العملية الانتخابية كمؤثر و ليس فقط كمتفرج و مصفق و لا بد ان يأتي اليوم الذي يأخذ فيه المستقلون دورهم الحقيقي
05-05-2009 02:06 AM
مقاطع ابو سلبية
لست مع النسبية و لا مع الصوت الواحد انا مع المقاطعة السلبية توفيرا للوقت و الجهد و المال
05-05-2009 02:08 AM
المحامي امجدخريسات
اما ان الاوان ان نتخلى عن هذه التسميات التي لاتجلب لنا الا الفرقة فهل غير الاسلامي حسب راي هؤلاء الناس كافر ففي الاسلام وهو ديننا ودين الدوله لايوجد سوا مسلم او كافر

مع كل الاحترام للكاتب المهندس هشام الخريسات
05-05-2009 11:43 AM

أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات