إسقاط الأسد وإبقاء النظام ..


يبدو ان الغرب بشقيه الامريكي والأوربي ما زال يصطدم بالحاجز تلو الحاجز خلال عبوره الاختبار السوري، حيث لم تنجح هذه الدول بالوصول الى يقين بالنتائج المتوقعة من المقترحات والوسائل العديدة التي قدمت لخلع النظام مع الطموحات الغربية والآمال المعقودة على مرحلة ما بعد الأسد، بل اظهرت الوقائع ان النتائج المحتملة والمقروءة لغاية الآن من خلال الخيارات المتوفرة بالحل السياسي في جنيف 2 لن تلامس الحد الأدنى من المطالب الشعبية والرسمية العالمية امام الدعم الروسي التي وضعت كامل ثقلها لتعاكس الضغوط العالمية ورغم الطوفان الإجرامي لمنظومة بشار ورفاقه.

كما ان الولايات المتحدة لم تنسى نتائج تدخلها العسكري المباشر في العراق وأفغانستان والتي حولت العراق وأفغانستان من دول (ديكتاتورية) الى دول فاشلة بامتياز وأكثر ديكتاتورية من ذي قبل مع ظهور مليشيات وكتائب لا مرجعية لها سوى الرصاص والقصاص.. هذه التجارب كانت لهم الفزاعة الحاضرة دوما عند انحسار الخيارات المتاحة وبقاء الحل العسكري المباشر كحلا وحيدا لانهاء العبث الأسدي والتحدي الروسي والإيراني، وبالطبع كانت هذه الفزاعة ضمن العوامل التي اعتمد عليها بشار الاسد وأثرّاها بالعديد من الدسائس التي حاول من خلالها إظهار بعدا (تكفيريا) للثورة السورية.

فالولايات المتحدة وبرغم تشبثها في دور القطب الاوحد ما زالت تبحث عن حل توافقي لا يبتعد كثيرا عن الحل السياسي المقترح وبحيث يحفظ ماء الوجه لهم ويحقق الحد الادنى المقبول وهو رحيل بشار الأسد مع قبول بقاء نظامه.. لا للمحافظة على الدولة بل لضمان الصمت الروسي من خلال المحافظة على مصالح الاطراف الأخرى التي قد يضمن المحافظة عليها شخوص من النظام الحالي مع تعديل ديكوري يتم بإزالة صور بشار الاسد عن جدران القصر الجمهوري ووضع صور احد المدجنين في المزرعة (الأسدية)، وهذا ما قد يوفر لاوباما الضوء الأخضر للسعي لذلك..

ذلك الاحتمال الذي سيطال الأسد فقط عززه فشل مجموعة الثماني في التوافق مع روسيا على تنحية النظام السوري وبما يعطي انطباعا قويا بفشل مؤتمر جنيف 2 بوجود الشروط المسبقة للنظام السوري وروسيا وإيران والتي أكدت بان المفاوضات الموضوعة للبحث لن تشمل رحيل الأسد.. بما يعني وضع المجتمع العالمي بما فيه الدول الاوروبية وأمريكا امام اختيار وحيد وهو ضرب رأس النظام من الداخل وقبل موعد انعقاد مؤتمر جنيف.

وذلك ما يمكن قراءته من التحركات الغربية والأمريكية والعربية بعد مؤتمر الثمانية الذي عقد اول أمس في إيرلندا الشمالية، بعد الرفض الروسي الكامل للتخلي عن الأسد.. ويضاف الى ذلك التشكيك المتعمد في قدرة المعارضة على إدارة الصراع الفعال مع السلطة وبما يضمن إسقاط النظام وبناء نظام ليبرالي معتدل وخالي من العناصر (المتطرفة) التي شاركت في الثورة.. وذلك ما قد يدفع محور (اصدقاء سوريا) للبحث عن اسقاط الاسد بشخصه مع المحافظة على النظام والدولة ومن خلال ضربة عسكرية واحدة قد تأتي من الدائرة الضيقة او من خلال عملية جراحية تكتيكية بالتوافق مع ورثة النظام .. وهذا ما قد يفسر تصريحات رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون والتي حاول فيها إقناع الصف الاول في النظام لإبعاد الأسد عن عرش سوريا مع تأكيد قبولهم ضمن النظام الجديد بدون الاسد.

هذه الاحتمالية قد تؤدي الى مساومة الثورة السورية في الداخل لقبول الحلول الوسطى والتي تعفي ما سيتبقى من النظام السوري من المحاسبة بل ويؤدي الى تقبل استمراره في منظومة الحكم مع عمليات تجميلية له.. بما يضمن فرض استمرارية حيادية الدولة السورية مع العدو الصهيوني واستمرار المصالح الروسية وكذلك بما يضمن كذلك انطوائية الدولة الجديدة عن المشاريع العربية الوطنية المحتملة التي قد تنشأ بتغيير النظام برمته.

لقد استطاع النظام السوري وعلى مدى حكمه (الآب والابن ) ان يلغّم سوريا والوطن العربي بالمتناقضات مجتمعة .. واستطاع ان يشتت الثوابت والمسلمات بالتفاصيل بعد أن أغرقنا بمؤامراته.. وسقوطه أول الخطوات لإسقاط الخوف والدونية التي أصر على الصاقها علينا جميعا .. وبسقوطه ولو تدريجيا سيسقط الكثير ممن اسقطونا جميعا.. فسوريا ليست برخيصة حتى تأتي حريتها وكرامتها ببساطة.. وإن كان اقتلاعه كلفنا مئات آلاف الشهداء فبقائه كان سيكلفنا الوطن العربي بملاينه الثلاثمائة.




تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات