العقبــة .. ليست لنا نحنُ .. !!


في عام 1981 م كانت أول زيارة لي لمدينة العقبة قبل أن تصبح اقتصادية ، برفقة مجموعة من أصدقاء الطفولة .. أيام ما كان الطريق الصحراوي " لم يتعرف بعد على مصطلح الأتوستراد "، كان الطريق بمسرب واحد باتجاهين ، و قبل التعديل الذي طرأ على شبكة الطرق في الأردن ، وأصبح طريق العقبة باتجاهين " سايدين " ، وأيام ما كانت العقبة عبارة عن منتجع " الشط وشوية شوارع وأكمن دار وعدد من النخيّلات " وحسب ما أذكر كان فندق الأكوامارينا " أبو خمسة وعشرون ديناراً دخولية " .. أي ما يعادل ربع راتب موظف محترم في تلك الأيام .. !!

تحركنا من شمال الأردن من مدينة اربد فرحين ، باتجاه الجنوب نحو مدينة العقبة .. وكانت الساعة تقترب من الرابعة عصراً ، ولم تكن حينها أيضاً طريق اربد عمان بمسربين " سايدين " .. بل بمسرب واحد من اربد إلى العقبة باتجاهين .. وصلنا مدينة العقبة بحمد الله ورعايته الساعة العاشرة مساءً .. بعد معاناة جميلة عبر الطريق الصحراوي وجمال تضاريس الجبال بالقرب من وادي موسى ، تلك الجبال الرملية الناعمة التي وصفها أحد أصدقائي ممن معي في الرحلة ، حيث وصفها مازحاً " كبيّت القنفذ الكبير " ، ولم يكن جمال الطريق في ليله الدامس أقل جمالاً من " بيت القنفذ ذاك " .. ولم يكن الرعب أيضاً بعيداً عن شعورنا بالخوف من عتم الليل الكالح .. !!

وعند دخولنا مدينة العقبة ، ذهبنا نبحث عن مكانٍ للمبيت ، وبعد طول عناء وجدنا فندقاً يشغر فيه ثلاثة أسرّه ضمن صالون يتسع لنحو عشرة أشخاص ويزيد ، " كعنبر السجون " ، فحجزنا الثلاثة أسرّه لثلاثة منا ، فبقيت أنا وصديقي عدنان دون مكان ننام فيه حتى لسويعات من الزمن ، فذهبنا إلى الشاطئ وقضينا الليل في السيارة نستمع إلى أغنية ميادة الحناوي " نعمة النسيان " حتى الصباح ، حيث فعلاً كان لنعمة النسيان دوراً في نسيان ذاتنا دون مكان و ذلك الخوف الذي حلّ بنا في الطريق الصحراوي ، وعنبر ذاك الفندق الذي رحمنا الله لم ننم به تلك الليلة ، وما أن نسمع تلك الاغنية في هذه الأيام ، نسترجع ذكريات تلك الرحلة وجمال معاناتها ..!!

تجولنا في ذاك اليوم بالقرب من الشاطئ " وهالأكمن شارع " ، وعزمنا الرحيل عصراً باتجاه مدينة البتراء الأثرية ، حيث لم يكن في ذاك الوقت بما يسمى بنيان ، قليلاً من بيوت الشعر وبعضاً من الأحصنة والجمال ، فامتطينا الأحصنة " بربع دينار للحصان الواحد " عبر الزيق باتجاه الخزنة ، وشعرنا بشموخ الأنباط ونحن على ظهر الخيل والّلجام بيد الخيّال " ليس نحن " بل الخيال كان هو " السايس " ، حيث لم نكن نعرف ركوب الخيل ، ولم نعرف حتى كيف تشغل .. !!

وعدنا بأدراجنا نحو عروس الشمال اربد ، وذات المعاناة السابقة واجهتنا في طريق العودة ، إلى أن وصلنا والحمد لله رب العالمين ذاك اليوم مسرورين جداً من هذه الرحلة التي كانت عبارة عن مصطلح " اعرف بلدك " ، وتعرفنا فعلاً على جماليات بلدنا ، وما بها مما يسر الناظرين ..!!
رغم كل ما عانيناه ، الاّ أن ما تم إنفاقه لمعرفة بلدنا في هذه الرحلة بأكملها " خمسون ديناراً " عشرة دنانير لكل فرد بما فيها البنزين والمبيت والمأكل والمشرب وغيرها من نفقات أخرى .. !!

في عام 2009 م ، ومن خلال ما سمعناه عن العقبة كمنطقة اقتصادية ، وسهولة الطريق المؤدية إليها ، ناهيك عن انخفاض الأسعار الموسومة بها مدينة العقبة كمنطقة اقتصادية ، وفيها ما هب ودب وأسعار بمتناول الجميع ... على إثر هذه الإشاعات ، وبعد ضغطٍ شديد من أبنائي وزوجتي ، ورأفة بحالهم للخروج من محيط الشمال وما يتمتع به من جمال الطبيعة ، إلا أن الإنسان بطبيعته " لا يعجبه العجب " ..!!

فشددنا الرحال من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب ، مبكرين كيّ نكسب الوقت في الوصول نهاراً ، والحمد لله قيادتي كانت هادئة ، حيث استغرقت معي الطريق نحوّ ثمانية ساعات ، وكان هميّ الأكبر عند وصولنا ، تأمين مكاناً للمبيت ، وفعلاً بعد عناء وجدنا شقة قد تكون مناسبة لقضاء وقتك مع العائلة بصورة مقبولة قليلاً ، ولكن لأفاجأ من الأجور وما تمتاز به مدينة العقبة من رخصٍ " فاحش " ، حيث وصلت اجرة الشقة لليلة واحدة " خمسة وستون ديناراً " بعد التوسط والتخفيض ، احتراماً لنا كضيوف آتين من شمال الأردن إلى جنوبها ، بمعنى " أجرة شقة في اربد لشهر بأكمله " .. مكرهين على ذلك فحجزنا الشقة لنرتاح قليلاً من عناء السفر .. وجاء دور الطعام وما أدراك ما الطعام ، فحدث ولا حرج ، ليأتي دور التجوال والتسوق إذا استطعت لذلك سبيلاً ، وما لمسناه من أجرة الشقة الفاحش هو بعينة على ما تبقى من أمور الحياة في العقبة . ليلة واحدة بيومين ، وبدون نفقات تسوق ، مبيت + طعام وشراب + تنقل = خمسماية دينار ... علماً أن ذات المبلغ يكفيني أنا وعائلتي لقضاء ثلاث أيام في ربوع دمشق ، فكيف لنا كمواطنين أردنيين و مطلوب منا أن نتعرف على بلدنا .. و أن نتحمل جشع المتنفذين في العقبة .. ؟؟ وفي المقابل نعامل كما السائح الأجنبي أو حتى العربي وندفع راتب شهر كامل " اذا حصلناه " ، ناهيك عن مشقة السفر لقضاء ليلة واحدة بيومين في العقبة .. فلم تعد العقبة لنا نحن الأردنيين ، فارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء ..!!

akoursalem@yahoo.com



تعليقات القراء

بنت الاردن
يعني لمين خيو
03-05-2009 03:36 PM
ابن البلد
صدقت يا ابو العكور ، العقبة لم تعد لنا .. بل لكل من يحمل فلوس مش عارف منين جابها..
03-05-2009 07:49 PM
محمود عناقرة
بس لو تقلص حجم صورتك
04-05-2009 09:21 AM
الى بنت الاردن
الى بنت الأردن المحترمة ، والله يا خيّتي الجواب عندك ، بس خجلانه تقوليه ، اذا ما رحت على العقبة بعدك ، جربي ورحيلها مرة وحده ، بتشوفي العجب هناك .
04-05-2009 11:10 AM
امنه انورالزعابي
عمو ....شكرا كثيرا على الموضوع الجميل

وياليت قومي يعلمون
04-05-2009 07:53 PM
م . سالم عكور
الشكر الخاص من الكاتب الى الأمورة " أمنة أنور الزعابي 6 " وايضاً الى والدها الذي علمها أدب التعامل مع الناس " عمو " و الى جميع المعلقين الف شكر وتحية .
04-05-2009 08:44 PM
العراب
الاردن النا والعقبة النا وكون العقبة اصبحت منطقة سياحية فهاذا لمصلحتنا ولمصلحت الوطن ولي مش عاجبه يرحل منها

16-06-2009 10:51 PM

أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات