دكتوراه الميكرويف ..


إن وفرة حملة الدكتوراه في بلدنا الصغير الدافئ؛ لهي دليلٌ واضح على وفرة العلم والمعرفة ووفرة القوة والاستقرار ووفرة التخطيط والإدارة ، وعندما تتجمع هذه المقوّمات تكون شروط التنمية والتقدم والبناء قد تحققت ؛ ومن ثم فإن طريقنا الطويل في إنجاز المنجزات وتحقيق الأهداف قد قصرت مسافته ، ودان منّا ما هو بعيد ؛ وأمسى التطور والتغيير أمراً بسيطاً وسلساً ؛ وبات النماء حصيلة واعدة لمجتمع تتوفر فيه تلك المقومات التي تبنى من خلالها الحضارات الراقية وترتقي بها أمة واعدة لمستقبل مشرق.

فالنسبة العالية في وجود لقب الدكتوراه وكثرته في بلد لا يتجاوز عدد سكانه أربعة ملايين ونصف تقريبا ؛ لهو أمر جلل ويستحق أن يحترم -هذا من الجانب العلمي- لوجود من يحملون درجة الدكتوراه بمختلف التخصصات ؛ لأن هذا اللقب يفترض أن يمنح للذين يستحقونه بالجدارة العلمية فقط ؛ بعيدا عن المحسوبيات والقرابات ، حيث أنه لا يجوز التهاون في أية مسألة من مسائل التعليم فهو بدوره يعتبر مرتكزاً أساسياً في تلك النقلة النوعية التي نرنو إليها جميعاً ونأمل بها ونسعى من أجلها ، ولكن لماذا أصبحنا نسمع ونشاهد أن مستوى التعليم في جامعاتنا الحبيبة مبنياً على المحسوبيات ، وإنني هنا لا أغفل عن مناهج وأساليب التدريس المتبعة في المدارس فهي تعتبر الشرارة الأولى في انطلاقة فكرة هذا المقال.

ولكي لا أطيل ؛ فإنني أرى أن تفسير استمرارية تغيير المناهج الأساسية والثانوية بشكل مستمر دليل على شيئين لا ثالث لهما ؛ وهو أنه يتم التغيير بشكل مستمر لتجيير معلومات جديدة ومرتبة ترتيباً أكاديمياً كي تتأقلم مع الواقع (الآيديولوجي) في بعض الأحيان مما يؤدي ذلك لوجود ضعفٍ واضحٍ وعدم المسؤولية في صناعة القرارات الناجحة والمؤدية لصناعة الحضارات الراقية ، أو أن هناك ضعفاًَ آخر في المناهج السابقة المطروحة ، وهنا الكارثة الكبرى التي أدت في المحصلة لإفراز أجيال قد وصلوا إلى مرحلة الثانوية العامة بتعداد السنين المتتالية فقط، ومن ثم إنتاج أجيال في بعض الأحيان لا يعون شيئا.

ولِما يجب أن يتوافر في الفرد الذي يرغب في الوصول إلى منصب سياسي مرموق ومستوى اجتماعي جيد من شروط تتواءم مع الواقع الجديد ، فإنه أصبح من الواجب على البعض منا الجد والمثابرة للحصول على الشهادات العليا ؛ فاضطررنا إلى مرحلة اللجوء المبرر وغير المبرر للمحسوبيات في بعض جامعاتنا العربية – وذلك من باب الأخذ بالأسباب- فوصلنا إلى مرحلة الوجوب الملح في حمل شهادات دكتوراه الميكرويف والتي باتت اليوم شهادات سهلة التحضير –في بعض الأحيان- وسهلة المنال ، فهي نوع طارئ من الشهادات يمكن تجهيزها خلال وقت قصير يحسب بأرقام هذا الزمان ... ، تماماً كما في الطبخات الجاهزة في أي (سوبر ماركت) تضعها في الميكرويف فتجهز خلال دقائق ... ، وليس هناك داع لإتمام العلم لمجرد حب الوصول إليه وإرضاء الله في طلبه وتوريثه لأجيال المستقبل بكل دقة وشفافية.

أريد أن أقول ؛ بعد أن أصبح الصمت يقودنا إلى طريق الندم؛ وبات الباطل يعلو فينا كالهرم : نحن معشر الأعراب من صنعنا الأمجاد كلها ؛ ونحن أصحاب العلوم الأولى التي جعلت من العلم حقائق ملموسة أذكت عقول غيرنا وأنارت خبراتهم المتدفقة ، فلماذا لا نسعى إلى ما سعى إليه سابقونا عندما وصلوا بعلومهم إلى أعلى القمم ، لكي يزخر ويزدان مستقبلنا وتشرق فيه شموس العدل والحِكم ، حتى لا نلعن ماضينا بحاضر ضحلٍ يتفشى في مجتمعاتنا كالورم ، ويغدو الحَمل ُ فيها أسداً ويتساوى الرأس مع القدم... ، هل يمكن ذلك؟ ، أم أن الأوان قد فات !!؟؟.

wmaabreh@hotmail.com



تعليقات القراء

محمد الروابدة
اعتقد بأن الاوان قد فات اخي الكريم لانه لم ينتشر الباطل الا لسكوت الحق عنه والحق ساكت انا هيك شايف ولا شو رايك ؟
03-05-2009 11:23 AM

أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات