«المزنَّرة» باللبن


أتوق أن أقضي عطلة الأسبوع برياً ، بلا هاتف جوال بعيداً عن صخب المقالات والمؤتمرات والندوات ، أتوق أن أنام على على ضوء شمعة يرتعش من الحنين ، لأصحو قبل غرة الفجر أرقب نجمة الصبح تطل بعنفوان من بوابة المشرق ، لتعلن للعصافير أن تترك أعشاشها للحياة والغناء. أتوق أن أنصت وأنا مغمض العينين لثرثرة النبعة القريبة ، ثم أقرأ حبات الندى الناعسة على أوراق الزيتون. أتوق أن أتابع تفتح الوردة بأول خيوط الشمس: فكم تبدو طويلاً بلا نهاية يا أيها الأسبوع الصاخب،،.

ظهراً سأمشي صعوداً مع رقرقة الوادي ، أملأ صدري برائحة القداح (نوار الليمون) العامرة في أول بستان يصدفني ، وفجأة أصغي لعصفور (الزريقي) يتراقص غناء وشقشقة على جذع شجرة تين طازجة الخضرة: ليغري عصفورته الواقفة بعدم اكتراث على حجر قريب ، وسأتصنم لسنتين أو أكثر عند شجرة بيلسان وحيدة قرب سنسلة (سور الحجري) متهدمة ، ثم أعد النحلات اللواتي جئن يقطفن رحيقها بطنين خلاب.

ثم أحث الخطى نحو عين صافية ، فأرتمي على طولي ، أشرب الماء بفم ، كما كنا نفعل بطفولتنا المجدولة بالشقاوة واللعب والثغاء ، أريد أن أغسل وجهي ، لأرى التعب يتقاطر مني ، ويذهب كما يذهب ماء الوادي،، ، أريد أن أن أثني بلطف غصن كرز عال لأتذوق باكورة العام: أولك على خير وتاليك على سلامة يا أيها الكرز الطيب،،.

لكني سأحث الخطى أكثر ، فلا أريد أن أتأخر على وليمة صديقي ، في بستانه القريب ، فتشدني رائحة دخان النار ، فوالدته الحاجة تخبز على الصاج ، فأرقبها ترقق العجين وتوسعه بيديها وتلوحه بين ذراعيها ، ثم تلقيه على الصاج ، وهي تهيجن وترّود ، أسلم على عجل ، وأقول لصاحبي: أدرك أخاك الذي يصوصو جوعا ، فيهب إلى شكوة اللبن (الشكوة أداة لحفظ اللبن مصنوعة من جلد الماعز) ، يملأ صحنا دون ترقوته بقليل ، ثم يغمره بزيت الزيتون ، مشكلاً بحيرة ذهبية تغري بالغطس ، فنجلس على التراب قرب أمنا الطيبة ، وما أن تقلع رغيفاً عن الصاج ، حتى نتناوله بلهفة ، نزنر كل لقمة بزنبوط بصل أخضر طري ، ثم نغمرها بصحن اللبن ، ونبدأ بأطيب أكلة قد تذوقها بحياتك: المزنرة باللبن.



تعليقات القراء

كم اتوق
كم اتوق لما تقول .. لكن اين؟
30-04-2009 12:16 PM
لغوي
نزنر كل لقمة بزنبوط بصل أخضر طري ........ بس شو يعني زنبوط
الله عليك
30-04-2009 12:20 PM
جويعد
...الاستاذ رمزي المحترم كلمات منتقاة وجميلة تطل علينا مجددا من اعماق التاريخ البعيد.من الماضي المتجدد باقلام الاصايل لك كل الشكر والاحترام
.......اما الللغوي السائل فاقول لة ان زنبوط البصل هي البصلة أثناء طفولتها وقبل اكتمال نموها
عندما تكون غضة وطرية ونحيفة(( تلفب بزنبوط))
01-05-2009 09:46 PM
جويعد
...الاستاذ رمزي المحترم كلمات منتقاة وجميلة تطل علينا مجددا من اعماق التاريخ البعيد.من الماضي المتجدد باقلام الاصايل لك كل الشكر والاحترام
.......اما الللغوي السائل فاقول لة ان زنبوط البصل هي البصلة أثناء طفولتها وقبل اكتمال نموها
عندما تكون غضة وطرية ونحيفة(( تلفب بزنبوط)).وجمعها زنابيط .
اما لمذا يفضل اكلها بدل البصل , عندما تكون الاسنان مش ولا بد فالزنابيط اطى خاصة مع اللبن
01-05-2009 09:52 PM

أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات