الارهاب المزدوج


لقد تبنت بعض الدول الإرهاب كجزء من خطة سياسية للدولة، مثل الكيان الصهيوني، ودولة هتلر النازية في ألمانيا، وحكم موسوليني في إيطاليا، ومعظم الدكتاتوريات المدعومة من أمريكا بعد الحرب العالمية الثانية، وارتبط الإرهاب بتحقيق الأهداف السياسية، وتعود أُولَى محاولات تعريف الإرهاب قانونياً إلى أيام عصبة الأمم، وتحديداً بعد اغتيال ملك يوغسلافيا في 9/10/1943م في فرنسا، حيث دعت فرنسا إلى مشروع ميثاق دولي حول الإرهاب وصدر الميثاق الدولي لمكافحة الإرهاب في 16/11/1937م، وعرف الإرهاب بأنه (الأفعال الجنائية الموجهة ضد دولة ويكون الغرض منها، أو يكون من شأنها إثارة الفزع والرعب لدى شخصيات معينة أو جماعات من أو لدى الجمهور).
إن من أهم المشاكل التي واجهتها المنظمة الدولية للأمم المتحدة منذ انبثاقها هما مشكلتا تحديد مفهومي (العدوان) و (الإرهاب) نظراً لأن ميثاق الأمم المتحدة في مادته (50) سمح للدول أن تستخدم قواتها المسلحة بصورة جماعية أو منفردة، لرد العدوان الذي تتعرض له، وهذا أوجب بالضرورة تحديد مفهوم العدوان من أجل أن تتمكن الدول من أن تستخدم قوتها المسلحة ضد دولة أخرى تحت غطاء الشرعية والدفاع الشرعي، ولم تتمكن الأمم المتحدة من التوصل إلى تعريف (العدوان) إلا من خلال القرار (3314) في عام 1974م، ومع ذلك بقيت القوى المتغطرسة في العالم، وبخاصة الولايات المتحدة المدافع العنيد عن الصهيونية، تستخدم هذا المفهوم استخداماً مزدوجاً؛ بما يخدم مصالحها وأهدافها الخبيثة، حيث تم ممارسة إرهاب الدولة المنظم تحت غطاء أيديولوجي لتحقيق مآرب سياسية واقتصادية وثقافية.
يعرف الإرهاب الدولي بأنه نوع من العنف الغير مبرر، والغير مشروع بالمقياسين الأخلاقي والقانوني الذي يتخطى الحدود السياسية، ويختلف الإرهاب عن ممارسة العنف السياسي الداخلي التي قد تنتهجها بعض القوى الرافضة لبعض المظالم الاجتماعية أو السياسية أو العرقية أو الأيديولوجية داخل الدولة الواحدة للنيل من السلطة الشرعية أو السلطة المستبدة المفروضة من قوى الهيمنة الخارجية كما يختلف عن نضال الشعوب لنيل حرياتها أو لتحرير أرضها من عدو مغتصب.
إن منطق الاستعمار دفع أعظم دولة في العالم لتمارس الإرهاب الدولي لتحقيق مآرب سياسية وسيطرة دولية تحقيقا لما يسمى نبوءات توراتية، وبث الرعب والفوضى في العالم، وعندما نصف ما تقوم به الولايات المتحدة اليوم بالإرهاب فإننا لا نقول ذلك جزافا بل نستند على التعريف الأمريكي ذاته للإرهاب، بحيث يعرف على أنه: "الاستعمال المحسوب للعنف أو التهديد بالعنف للوصول إلى أهداف ذات طابع سياسي أو ديني أو أيديولوجي وهنالك مثالاً شاهداً على ذلك في ادراج جبهة النصرة السورية منظمة إرهابية وكذلك حماس وغيرها من المنظمات التي تدافع عن أرضها وشعوبها .
فمنذ أوائل السبعينيات من القرن الماضي وكلمة (الإرهاب) ومشتقاتها (إرهابي، حركات إرهابية، تنظيمات إرهابية، حكومات إرهابية) وغيرها تغزو ميدان الاستخدام السياسي، ولحقتها حقول أخرى، فقد انكب المؤلفون في علوم النفس والقانون والاجتماع والفلسفة والإجرام والإستراتيجية والعلوم العسكرية وغيرها على دراسة هذا الموضوع أكثر من أي ظاهرة أخرى في عصرنا، وخلال العقود الثلاثة الأخيرة صدرت آلاف من عناوين الكتب والبحوث والمقالات كلها تبحث في الإرهاب، وصار هناك كتَّاب متخصصون في شؤون الإرهاب، واستُحدثَت وحدات إجرائية مختصة بموضوع الإرهاب، وبات الإرهاب ومكافحة الإرهاب في صدارة أجندة لقاءات رؤساء الدول والمؤتمرات الدولية والإقليمية؛ سواء ما يتعلق منها بالأمن وسواها، كما تم تأسيس كثير من المعاهد التي تتبع الجامعات أو الحكومات لدراسة الإرهاب، واقتراح الإستراتيجيات المضادة للإرهاب، وتحليل شخصيات المتهمين بحوادث الإرهاب وغير ذلك؛ وكأنما الإرهاب هو الشغل الشاغل الوحيد لعالم مليء بالعُقَد والمشاكل.
على الرغم من أن الإرهاب قديم قدم التاريخ، كعمل يولِّد حالة من الرعب والفزع؛ إلا أن الحملة الإعلامية العالمية التي تقودها أميركا والصهيونية، وما كتب وما يزال يكتب ويبث عن الإرهاب، جعلت كثيرين يعتقدون أننا نعيش في حقبة (هوس الإرهاب)، وأصبح بعض الناس يصدق أن الإرهاب (وليس الاستعمار الجديد، ولا التفرقة العنصرية، ولا إبادة الجنس البشري، ولا سباق التسلح، ولا الانتهاك المروع لحقوق الإنسان والحريات الأساسية بما في ذلك حق الشعوب في تقرير مصيرها...) أن الإرهاب وحدَه هو الخطر البادي للعيان وهو التهديد الرئيس لوجودنا، ووجود البشرية جمعاء والأدهى من ذلك أن كل تلك الجهود التي بذلت وما تزال في سبيل الإشارة إلى خطر الإرهاب قد فشلت، ليس في استئصال شأفة الإرهاب فحسب، وإنما فشلت في تحديد هذا المفهوم الغامض، وتقف في وجه محاولات دول العالم لتحديد مفهوم موحد للإرهاب الولاياتُ المتحدةُ التي تريد إبقاء هذا المفهوم غامضاً لخدمة أغراضها العدوانية والدفاع عن حليفها الدائم الكيان الصهيوني الغاصب.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات