نقابةُ المعلمين .. واقعٌ توقعناه فهلّا توقيناه ؟


ما يتسرب من داخل أروقة النقابة الجامعة للمعلمين تبعثُ على الحرج والتساؤل ، وتبحثُ عن المخرج والتفاؤل ؛ إذ الإشارات الملتقطةُ من قبل وسائل الإعلام تشي بوجود انقسام و تخالف ، وتحزّب وتحالف ؛ لكنها – في الوقت ذاته – لا تفي بالقدْر الملائم من المعلومات التي تمكننا من ادراك الأحداث الداخلية على حقيقتها ، ولا تكفي أيضاً لصياغة الأحكام العامة أو استخلاص العِبر الهامّة ؛ بيْد أن الذي يعني المعلمين هو الواقع الذي تعانيه الآن نقابتهم ويستثيرُ فيهم من مشاعر الإحباط ما لا نرجو ارتقاءها إلى مرتبة القنوط من القدرة على تجاوز هذا الواقع المتشابك الشائك فيما يبدو .
المعلمون – في سبيل اخراج نقابة لهم إلى حيّز الوجود – تحركوا كثيراً وبذلوا عظيم المجهود ؛ حتى تحقق بتوفيق الله تعالى ما صَبَوا إليه ؛ فوطئوا أعتاب حلمهم المنشود ، وأفرغوا أمانيهم وصبر سنيّ الانتظار في صناديق انتخابات مجلس النقابة ؛ عاقدين عليه الأمل في تبليغ رسالة المعلم وبعث الروح فيها ، وصيانتها من شوائب ضيق العيش ومعوّقات التربية والتعليم .
لم تكن تلك الانتخابات على ما يشتهي العاقل وإنْ أنكر حينها – وينكر الآن – البعضُ ! ؛ فإنه قد خالطها الكثير من الغلط واللغط ، والتشويش والتشويه الذي كان منشؤه في الأصل تفرّق أكثر المُرشّحين من المعلمين على انتماءات حزبيّة سياسية، وتوجهات فكريّة ومذهبيّة ألقت بأعبائها وتبعاتها سَلْباً على نقاء التنافس من أدران الطعن والغمز ، و حتى اللعن واللمز ؛ لَمسْنا هذا وعايناه ؛ ولكن سَلِمنا منه بفضل الله تعالى لا سواه ؛ فانتهت الانتخابات على خيرٍ غيرَ أنّ فيه دَخَنٌ تمنت النفس ألا تراه ؛ دَخَنٌ مقيت هو التعصب والتحزب وأن يسير كلّ على هواه ! .
نصحْنا – وقتها – إخواننا المُختارين لمجلس نقابة المعلمين ؛ وخصصنا من يُحسبون على الإخوان المسلمين ؛ إذ العينُ عليهم والثقلُ في المجلس – عدداً – لهم ؛ وقلنا القوا بعُصيّ أحزابكم وأقلام مذاهبكم وراء ظهوركم خيرٌ لنا و لكم ، وإن لم تفعلوا فلن تجنوا إلا الفشل وذهاب ريحكم ، وربما انفتق ما لا يُرْتَق وحصّل المعلمون من نقابتهم ما ليس ينفع أو يُنْفق .
لم تكن انجازات النقابة منذ تأسيسها إلى الآن على قدر الحاجة والطموح المؤملان ؛ وللحقّ فإنّ المُنصف يلتمس العذر للقائمين على النقابة إذ هي بِكْرٌ في العمر لا كبيرة ولا عَوان ؛ لا يعيبها التأخر والبطء في المسير ، ولا التعثّر أو الخطأ اليسير ؛ وإنما نتوجه إليهم بنقد ما نظنه مؤدّياً إلى خذل المعلمين،ومؤذياً لهم أجمعين ، أو أن يكون مؤذِناً بفشل خطير ؛ ومن ذلك انقلاب النقابة إلى ذراعٍ أساسية للأحزاب السياسية تطوّعها وقتما تشاء لما تريد ! ، أو أن تستقوي في النقابة فئةٌ تأخذها العزة بمكانها وإمكاناتها فتقرّر حسب ما تراه وتفرض ، وتمرّر من الخطط والأنشطة والمشاريع وفق ما تهواه أو ترفض !.
لا نرجو لمثل هذا وغيره من الأمراض والأعراض أن يعتريَ جسم النقابة أبداً ؛ فيصيبها الشلل والخلل ، أو تقع في المحذور والزلل ؛ فالمتربصون بها كثيرون والحريصون قليل ؛ وما اضراب الأمس عنّا ببعيد وأعني ذاك الذي رافق قرار الحكومة برفع الدعم وما صحبه من أحداث مؤلمة غريبة علينا ؛ فإنّ إعلان النقابة عن إضراب عام للمعلمين بطريقة ملتبسة مُبهمة وفي ظروف حرجة دقيقة، وتعارض تصريحات أعضاء النقابة وتناقضها ؛ قد جلب كثيراً من علامات التعجب والاستفهام لقرار الاضراب عن التدريس ،بل حامت وحميت الاتهامات حول النظام الداخلي الذي يؤسس لعمل النقابة ، و وجود جهات خارجية تتحكم بقراراتها وتوجه سَيرها وتعمل على تسييسها، اشتدّ هذا بعد اعتراف نقيب المعلمين - بالتصريح لا التلميح – بوجود مؤشرات على تدخل جبهة العمل الإسلامي في عمل النقابة! .
فأمّا من عرّضَ لنا بتجاوزات ماليّة في النقابة ، وما عَرَضَ علينا بيّنته فعليه وزره وحسابه على من يعلم خائنة الأعين ؛ إذ كيل الاتهامات جُزافاً ،ونقل الكلام على عواهنه تخريباً وتخريفاً إثمٌ وسَمّ يتجرّعه صاحبه؛يكبر إنْ صدر من أهل النقابة ،ولن يزيدنا إلا خُسْراً.
و عوْدٌ على بدءٍ فإنّ واقع النقابة اليوم على ما تناقله وسائل الإعلام لا يسرّ المعلمين المنتظرين،بل هو نذير شرّ يحيق بها ، ويقعد لها بالمرصاد ؛ ولا زلنا نسمع في داخل النقابة عن المزيد من الإصرار والعناد ، و نعْت بعض الأعضاء لأطرافٍ أخرى بـ ( العدائيّة ! ) و ( العقليّة الاقصائيّة ! ) ، ولعلّ ما خفي عنّا مما يدور بينهم أعظم ؛ فأيّ حال لهذه النقابة التي يظنّ فيها الناس خيراً يفوق ما يمكن أن يتوافر في غيرها من النقابات لاعتبارات تتعلق بالمرجعية المهنية لأعضاء مجلس النقابة .. بُناة المستقبل والمربين للأجيال .
لئن كنّا قد توقعنا ما هو قريب من هذا الواقع في نقابة المعلمين لرسوخ إيماننا بأنّ التعصب الحزبيّ لا يأتي إلا بالدواهي والفواقر،ولا يغذّي بين الأخوة إلا البغض ويوضّح الفوارق ؛ غير أنه لم يخطر ببالنا ما بلغته الأمور بهذا التصدّع العميق بين من يمثلون أهمّ شريحة في المجتمع ، ولا هذا الضعف والنكوص عن إعمال العقول في البحث عن الحلول ،والتزام جادّة الطريق .
العاملون في الميدان التعليمي والتربوي قد لَفَح وجوههم غبارُ ما يرونه من تهدّم اللبِنات التي وضعوها لإقامة صرح النقابة ، وراقبوا بعناءٍ تلك القوائم التي تقِلُّ سقفَ أمانهم الاجتماعي والوظيفي فإذا بعضُها يميل على بعض بالتجريح والنقض ؛ فتنازعوا بينهم الأمرَ ، وانتهوا إلى تأسيس تجمع معارض يتولى مراقبة أعمال المجلس !؛إلا أننا نلمس فيه نزعة تصفية الحسابات ،ونخشى – قريباً - أن يزيد الطينَ بلّةً والجسدَ المريض علّةً؛مع اقرارنا بحقّ المعلمين في نقد ممثليهم في المجلس وإنما القصدُ أن يكون هذا بتدبيرٍ حذرٍ مقنن ،وتفكيرٍ وتقديرٍ سليمين .
ولذا كلّه يتوجب على أعضاء النقابة تدارك الواقع قبل أن يتّسع الخرْقُ على الرّاقع ؛ ولن يكون هذا إلا بخُلُوص النوايا من أطماع النفس،والتخلص من عقلية الاستحواذ والهيمنة،والعزم على التقارب وتذويب الحواجز بحرارة المودة والصفاء ، والخروج من بوتقة التعصب الحزبيّ والتمذهب الفكريّ فإنهما ضبابٌ أسودٌ يحجب عن الحقّ، واتقاء مواطن التعنّت والتعسف ، وتقديم المصالح العالية التي من أجلها كان طلبُ النقابة والسعي الحثيث إليها ، والأهمّ – في هذا وذاك – سدّ المنافذ التي يتسلل منها المُغرضون إلى قلب النقابة بشتى الوسائل المشروعة؛ولو اقتضى هذا مزيداً من المكاشفة البعيدة عن المباغضة والمُكاشحة،الموثقة بالدليل .
احذروا واعتبروا أيّها المعلمون ،وحافظوا على نقابتكم ونقاوتكم، وانشروا ما فيه صلاحُ ذات بينكم ، { وَلا تكُونوا كالَّتي نَقَضَتْ غَزْلَها مِنْ بَعْدِ قوَّةٍ أَنْكاثاً } ؛ فأنتم من معاول الخير التي يُبنى بها وطننا الأردن ويستمرّ،وُيُحمى من الشرور و يستقرّ؛ ألا هكذا فكونوا والله الموفّق .



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات