صندوق لتدريب المحامين


لا يخفى ما للعمل الجماعي المنظم من فوائد، فهو يحشدُ الطاقات المنفردة ويجمعها معاً لتصبحَ طاقةً قادرةً على صناعة الإنجاز وتحقيق المكاسب لجميع المساهمين فيه، وهكذا هي النقابات، تجمع طاقات منتسبيها وتديرها بشكل يكفل لهم تنظيماً قوياً قادراً على حمايتهم وتوفير متطلبات النجاح والتقدم، والنقابيون بطاقاتهم المجتمعة والمنظمة يستطيعون معالجة أية مشكلات تعترض طريقهم كما ويضمنون درجة آمان معقولة في مواجهة تحديات الحياة ومفاجأتها.

ونقابة المحامين ليست استثناءً على هذا التصوّر، فهي تعمل على إدارة مهنة المحاماة وتنظيمها ورفع سوية منتسبيها وتوفير المستوى المقبولِ من الحياة لهم، وهي في معرض ممارستها لوظيفتها تلك تعمل ضمن أطر تشريعية تساعدها على تحقيق أهدافها، وليس من المعقول أن تكون النقابة أو تشريعاتها غير قادرةٍ على إجتراح الحلول لأية أوضاعٍ مختلة، فالأصل أن المحامين هم أقدر الناس على التعامل مع القانون نصاً وروحاً، وهم السهارى على حماية مصالح وحقوق الآخرين، ولأنهم أكثر الناس اتصالاً بالتشريعات، فهم يشعرون بأوجة القصور في النصوص أحياناً وفي التطبيق أحياناً أخرى، ومن غير اللائق أن يكون القانون الذي ينظم شؤون المحاماة صادراً في ظروف معينةٍ ويبقى مطبقاً – على علاّته – رغم تغير الظروف ومرور حوالي أربعين عاماً على نفاذه ، وفيها تغيرت الظروف والموجبات وربما تطورت فكرة التنظيم وترسخت أهدافه وعظُمت.

فقانون نقابة المحامين النظاميين الأردني صادر في عام 1972 ومعدّلٌ في عام 1985 وبعد ذلك عاش جموداً رهيباً جعله متحفياً وفي جزء منه وغير ملائم في بعض أحكامه لمعالجة مستجداتٍ طرأت بعد هذين التاريخين. كما وأن تطبيق بعض الأحكام فيه - خصوصاً ما يتعلق منها بمرحلة التدريب على أعمال المحاماة- لا بد أن يراعي الهدف الذي من أجله وضع القانون نفسه. فثمةَ نصٌ يمنع "المحامي" من الجمع بين "المحاماة" وبين جميع الأعمال التي تتنافى مع "استقلال المحامي" أو التي لا تتفق مع "كرامة المحاماة" ( المادة 11/ و من القانون). وهذا النص رغم أنه يتحدث عن كل شخص يتمتع بصفة المحامي، إلا أن النقابة تطبقه وبشكل آلي على مَنْ يتمتعون بصفة "المحامي المتدرب" وهذا مستغربٌ لأن ثمةَ أحكام خاصة بالمحامين المتدربين. وقد قامت النقابة – ملومةً- في الفترة الأخيرة وبشكل مؤسف ودون سابق إنذار بشطب أسماء العديد من المحامين المتدربين من سجلاتها بحججٍ منها أنهم يعملون خلافاً لأحكام القانون، وهي لم تراعِ حتى القانون نفسه الذي يوجب ألا تفرض عقوبة الشطب من سجلات النقابة على المحامي إلا بعد إخطاره إلى الإلتزام بوقت مناسب. هذا من جهة، ومن جهة أخرى يثور التساؤل عن مفهوم العمل الذي يتنافى مع "استقلال المحامي" و"كرامة المحاماة"، لأن الواضح من صريح عبارة النص أن العمل لا يتنافى كله مع "استقلال المحامي" أو "كرامة المحاماة" وبالتالي يكون ظالماً منع المحامي المتدرب المحتاج لنفقات التدريب من العمل الشريف في مكان عام وفي خارج أوقات الدوام المعتاد على أعمال المحاماة. ولو كانت النقابة الموقرة تدفع للمحامين المتدربين أو للمحتاجين منهم مبلغاً رمزياً من المال يكون عوناً لهم ولذويهم على نفقات ومصاريف التدريب لكان التطبيق السابق بيانه أقرب للعدالة، ولكن النقابة ربما لضعف إمكانياتها المالية لا تدفع للمحامين المتدربين شيئاً يُذكر، بل وتتقاضى منهم رسوماً كبيرة نسبياً ومختلفةً أهداف بعضها بشكل يجعلُ الأمر مثاراً لمزيدٍ من التعقيد، فالنقابة تفرضُ "غرامةً" على عدم التدريب والتسجيل في سجلاتها رغم الظروف المعروفة التي تحيط بموضوع تدريب المحامين، وهي لا تدفع شيئاً للمحامين المتدربين خلال فترة التدريب، وهي لا تقوم بإلزام المحامي الأستاذ بأن يدفع ملبغاً ولو يسيراً للمتدرب عنده، وهي تمنع المحامي المتدرب من العمل مطلقاً بنصٍ يمكن التوسع في تفسيره ليحقق حكمة التشريع ويوافق روحه إلى أن يُصار إلى تعديل القانون النافذ وإعادة تنظيم حقوق وإلتزامات كل من المحامي المتدرب والنقابة تجاه بعضهم البعض، وهو الأمر الذي يبدو ضرورياً كي يضع الأمور في نصابها الصحيح والعادل والمعقول.

وربما يكون جديراً بالدراسة والإهتمام اقتراح إنشاء صندوق في نقابة المحامين يكون مخصصاً لمساعدة المحامين المتدربين على نفقات التدريب ومتطباته، وهو ما أراه حلاً جزئياً للمشكلة القائمة، وإذا كانت النقابةُ جادةً أكثر في رفع سوية مهنة المحاماة والتأكيد على "استقلال المحامي" و"كرامة المحاماة" فالأولى بها أن تقف إلى جانب العصاميين من منتسبيها ممَنْ يكافحون في الليل سهراً ويعملون بشرفٍ وكرامةٍ كي يستطيعوا التدريب على المحاماة نهاراً. فهؤلاء النخبة ممَنْ لم تساعدهم الظروف المادية لا يسألونَ الناس إلحافاً بل يعملون بصمتٍ وصبر لكي يصلوا بأنفسهم إلى العُلا إن هم مُنحوا الفرصةَ واستطاعوا إلى ذلك سبيلاً.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات