الحميركان العرب


لا تكاد تخطىء العين العربية ظهور طبقة يصح أن نسميها " الحميركان العرب " من الذين أفرزتهم أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 , وهم الذين باتوا اليوم رأس حربة في هجوم القوى الاستعمارية الغربية ممثلة في الأمريكان والصهاينة على أمتنا العربية والإسلامية.
أما لماذا استخدمت لفظة " الحميركان " للإشارة إلى هذه الطبقة فلأنه يصدق على هؤلاء أنَّهم حمير ومطايا للبسطار الأمريكي إضافة إلى أنَّهم أمريكيو العقل والفؤاد. البعض يحلو له تسميتهم بالعرب المارينز , أما أنا فأفضل لهم مسمى " الحميركان " .
والحميركان مختلفون عن الأمريكان العرب اختلافاً كلياً , فالأمريكان العرب تجمعهم في أمريكا رابطة قومية رسمية يتحركون ويضغطون من خلالها كلوبي مؤثر من أجل دعم القضايا العربية والإسلامية , أما الحميركان العرب فإنَّهم مجموعات متفرقة من الكتَّاب والمثقفين والساسة والأدباء العرب من الذين أصابهم داء الانبهار والهوس بما لدى الغرب المتطور الشيء الذي يدفعهم للهجوم على ثوابت الأمة من دين وثقافة وأخلاق وقيم حيث جعلوها - كما هي عادة المنبهرين - أسباباً رئيسة للتخلف والتعثر والجمود . بل إن أحدهم ذهب بعيداً حين ادعى أن الحضارة العربية الإسلامية لم تُقدِّم أي إضافة تاريخية للحضارة الإنسانية على عكس الآخرين, في مناقضة صريحة لما يقوله أساطين التأريخ والاستشراق حتى المتطرفين منهم!!

قيل لي مرة : لكنهم صادقون في غيرتهم وحرصهم على نهوض أمتنا , فقلت كما قال ابن مسعود رضوان الله عليه : " كم من مريد للخير - هذا على اعتبار أنَّهم أرادوا الخير فأخطأوه- لم يصبه" ثم إنَّ صِدق المقصد لا ينبغي أن يكون دليلاً على صحة الوسيلة , فالله أخبرنا في سورة البقرة عن المنافقين حين قال : " وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون ألا إنَّهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون " , فالله سبحانه وتعالى لم يرد على دعوى الإصلاح  التي زعموها ويُفصَّل فيها بل ختم الآية بإلماحة غاية في الروعة " ولكن لا يشعرون ". إنَّهم لا يدرون أنهم مفسدون على عكس ما يظنون !

هل يوجد بيننا من هم منافقون ؟ 

هل في ذلك شك ؟! نعم المنافقون موجودون في كل مكان لا يكاد يخلو منهم بلد. هم موجودون حتى في بلادنا بلاد الحرمين الشريفين ومعقل الإسلام الأول , لكنهم ظلوا لفترة طويلة كامنين كما هي عادة المنافقين دائماً منذ عصر النبوة وحتى اليوم. ينتظرون الفرصة المناسبة كي يعلنوا عن أنفسهم فيدعمون الغزاة ويحرضونهم علينا ويثبطوننا ويخوفوننا ويدعوننا للاستسلام والخنوع ظانين أنهم إنما يصلحون. 
يطلون برؤوسهم في زمن الفتن والحروب , ولقد رأيناهم ينتفضون بعد الحادي عشر من سبتمبر لا ليقفوا صفاً واحداً ضد الغزاة والمعتدين , بل ليقفوا صفاً واحداً ضد ثوابت أمتهم , حتى أننا وجدنا من يذهب إلى السفارة الأمريكية يحمل في يده كتاب مادة التوحيد مشيراً بقلمه الأحمر على إحدى العبارات التي تحوي آيات قرآنية وأحاديث نبوية تدعو المسلمين للجهاد في سبيل الله والبراءة من الكفر وأهله. كما رأينا من يدعو إلى قصر الجهاد على جهاد الدفع دون أن يقول لنا رأيه في جهاد الطلب الذي تمارسه أمريكا في العراق وأفغانستان ! ورأينا كذلك من يدعو إلى وجوب قصر الاهتمام بالشأن الوطني فقط , في دعوة صريحة إلى التقلص والانمكاش والانفصال عن المحيط العربي والإسلامي , كي تستطيع الدول الاستعمارية الكبرى اقتناص بلداننا واحدة بعد الأخرى .

ستجدهم يروجون لكل احتلال أمريكي لبلد إسلامي مرة بزعم أنَّ رئيسه طاغية كما في العراق , ومرة بزعم أنَّ حكامه إرهابيون متطرفون كما في أفغانستان , بل إنَّك ستجدهم يؤيدون كل انقلاب عسكري أو ممارسات تعسفية ما دام لن يسمح بوصول مخالفيهم للسلطة أو لمواقع التأثير, ألم يقل أحد أساطينهم الفرانكفونين في الجزائر :  لو لم ينقلب الجيش على خيار الناس الذين اختاروا جبهة الانقاذ التي فازت بأغلبية المقاعد ( 83% ) لسالت الأرض بالدماء ! وكأنَّها بعد هذا الانقلاب سالت ماءً !! لكنهم لا يعبأون بعدد القتلى ولا بالمجازر ولا بالمذابح ما دام كل هذا يحصل من أجل منع انتشار الاسلام وعقيدة العبودية لله والتحرر من الاستعمار والإمبريالية , ولعل من المفيد التذكير أن أحد أساطين الفرانكفونية في الجزائر رد على استنكار أحد الصحفيين حيث ذكر الصحفي أن جبهة الانقاذ اختيرت من حوالي ثلاثة مليون جزائري , فرد : فلتقتل هذه الثلاثة مليون !
جهودهم لا تنصب على تخريب الاستقلال السياسي , بل تتعداه إلى دعم اتجاهات اجتماعية ودينية واقتصادية معينة . والذي يظن أن الأمريكان والصهاينة يحاربوننا على الساحة السياسية والعسكرية فقط هو ساذج , فالحرب قبل أن تكون حرب جيوش هي حرب أفكار ومشاريع. مشاريع متنوعة ومختلفة لكنها تتفق على تخريب " الهوية " التي باتت اليوم آخر معاقل الذات. 
ففي الساحة الأدبية ستجدهم يدافعون عن الأدب الإباحي المكشوف , وعن حق الكاتب في التعبير عن نفسه ولو من خلال سب الذات الإلهية والسخرية بالنبي صلى الله عليه وسلم وبصحابته الكرام رضوان الله عليهم , وبشعائر الإسلام المختلفة. بل وحق الكاتب في التعبير عن ولعه وهيامه بالغرب وأفكاره  , ونقده وسبه وشتمه للشرق وأفكاره . ولك عزيزي القارىء أن تقرأ كتاب "الحرب الباردة الثقافية" للكاتبة سارة سوندرز حيث تتحدث عن الحرب الثقافية التي قادتها أمريكا وعملاؤها المثقفون ضد الاتحاد السوفييتي وثقافته مستخدمة في ذلك المثقفين من كتَّاب وأدباء ونُقَّاد وروائيين حاز بعضهم بفضل الدعاية الأمريكية واسعة النطاق على جوائز عالمية كجائزة نوبل !! 

يثير حساسية الحميركان العرب على الجانب الاجتماعي والديني انتشار الحجاب والنقاب واللحى والدعاة الشباب بل وكل ما يشد الشباب والشابات إلى الجذور والأصل والمنبع ويجدون في كل هذا مؤشرات سيئة جداً ودلائل على التخلف والجمود بينما يجدون الفن قمة الفن والحضارة قمة الحضارة في الاختلاط والتبرج والعري والخلاعة والرقص الذي يسمو بالنفس ويهذبها ! 
 

على الجانب الاقتصادي يقرفون من مجرد الحديث عن الاقتصاد الاسلامي  وأنَّه الخيار الأمثل الذي يحفظ التوازن ويحقق السلامة حتى وهم يرون العالم الرأسمالي يترنح نتيجة فشل الرأسمالية بشقها الاقتصادي كما هو في الأزمة المالية . تذكر الله أو الإسلام فتشمئز نفوسهم , وتذكر آدم سميث فتتهلل أساريرهم !
مخطىء من يظن أن عداء هؤلاء هو ضد الإسلام وأهله فقط . ليس الأمر كذلك . عداؤهم ضد كل ما هو إسلامي أو قومي أو وطني من شأنه الدفاع عن مكونات الأمة وسيادتها واستقلالها وهويتها في مواجهة قوى الاستعمار والهيمنة والاحتلال .

وقد ذكرهم المصطفى صلى الله عليه وسلم حين قال " يتزينون بزينا ويتكلمون بألسنتنا. دعاة على أبواب جهنم من أطاعهم إليها قذفوه فيها ". 

قال تعالى ( ولتعرفنهم في لحن القول ) .

وإن كنت أزعم أن الأمر لم يعد يحتاج للحن القول وقد رمى القوم قفازاتهم وبدأوا يضربون بأيديهم العارية . 


عبدالله الشولاني
Abd.Alshwallani@gmail.com



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات