قف للطالب وفّه التنكيلا .. كاد الطالب أن يكون قتيلا


منذ أن كنا أطفالاً صغاراً " بسن الورود " ، ننظر إلى استباق الزمن من عمرنا باشتياق ، ذاك الشوق الذي حرمنا متعة النوم ، كاشتياق طفل إلى إبهامه النديّ ، أو رضعته في عز نوم أمه ، آملين في تسريع ذاك الزمن الذي طال ما كان يناكفنا ببطئه ، ننتظر أن تدور أيامه مسرعةً ، ونتمم سن القبول المدرسي ، ونحقق أمنياتنا الطفولية ، في الذهاب إلى المدرسة والجلوس على تلك المقاعد الخشبية ، وذاك اللوح الأسود وما يُخزِّنُ خلفه من ألف باء ... إلى لام ألف ياء ..!! .

كان للمدرسة مكانة كبيرة في حياتنا ، ما أن ينتهي دوام ذاك اليوم ، لننام ونصحُ ، فرحين ليوم جديد نذهب فيه إلى المدرسة ، ومنذ أن وعيّنا الأحرف الأبجدية ابتداءً من " ألف باء وحتى لام ألف ياء ، وحتى بعد أن كبرنا وموّسقنا الأحرف التي أصبحت " أبجد هوّز حطي كلمن ... !! " .

ومن مفهوم " من علمني حرّفاً كنت له عبداً " رسخت فينا محبة ذاك المعلم صاحب الرسالة الخالدة للخروج بالبشرية من ظلمة الجهل إلى نور الحياة .. وعبقرية طفل اجتهد ليأخذ حقه في الحياة .. منتصباً قامته بشموخ التلميذ الذي كرس جهده ونال مقعده الوزاري أو الأكاديمي ، أو حتى المهني .. تجد رجالاته كثر ، ممن أبدعوا وقدموا للوطن ما لم تقدمه تلك المقاعد الوزارية ، تجدهم أشدّ انتماءً وأشدّ حفظاً للجميل .. ولم ينسوا أبداً أو تناسوا ذاك المعلم الذي قيل فيه .." قمّ للمعلم وفه التبجيلا .. كادَ المعلمُ أن يكون رسولا " ، ذاك المعلم الذي نحن بأشد الحاجة له الآن ، الذي علمنا التربية قبل أن يعلمنا الألف باء ، وعلمنا الأدب في عقيدتنا الإسلامية قبل أن يعلمنا أجزاء الجهاز التناسلي الذي كنّا نخجل حضور درسه في مادة العلوم ، على عكس ما نراه اليوم من انتشار الفاحشة ومقوماتها لدى الكثير ممن لم يتجاوزوا عمر الطفولة بعد ، نعم .. نحتاج إلى ذاك المعلم الذي كنا عندما نراه في الحواري ، نتوارى عنه خجلاً لا خوفاً .. رغماً عن تلك التوّبيخات أو العُصِيّ الحنونة التي كنا نتلقاها إذا قصّرنا في واجبنا أو احترامنا المدرسي .. تلك العصيّ الحانيّة التي جعلت من الكثير من هؤلاء الطلبة الآن في مراكز مرموقة في الحياة ..!!

وفي هذا المقام أعجبتني قصة مقتبسة عن أحد المنتديات السعودية " مجالس " ، حيث تحكي عن ذاك الضابط السجّان وأحد معلميه في السجّن .. بعد أن طالت السنين وكبرا وكبر البعد بينهما ولم يلتقيا منذ تلك المرحلة الدراسية في الطفولة ورغم العلاقة المتميزة التي كانت تجمعهما آنذاك .. وما كان من هذا المكان والزمان إلاّ أن يفسدا عليهما جمال اللقاء .. حيث أصبح التلميذ هو السجّان ، والمعلم هو السجين .. !! " بدأت القصة حينما تم نقل الضابط إلى سجن في المدينة التي عاش وتلقى تعليمه الأول فيها وفي أحد الأيام وبينما كان الضابط يقوم بأعمال المناوبة والإشراف على العنابر داخل السجن ، سمع أحد السجناء يطلب منه الإذن بالسماح له بالإنتقال إلى عنبر آخر .. وعندما إقترب الضابط من السجين وتفرس في ملاحمه جيدا ، صدمته المفاجأة .

فهذا الرجل ( السجين ) هو معلمه في المرحلة الإبتدائية ، وهو الذي كان يحبه كثيرا ويقدره لمعاملته الطيبة لطلابه .. فكان اللقاء مؤثرا وحزينا في الوقت نفسه ... وعندما عرف الضابط أن معلمه هذا محكوم عليه بالقصاص في جريمة قتل حدثت قبل سبع سنوات ، أخذ يعمل جاهدا للتوسط لدى أولياء الدم ، حيث ذهب إليهم وبدأ في إقناعهم بالتنازل والعفو عن معلمه ، كما تكفل هو شخصيا بتوفير جميع إحتياجات معلمه من ملبس ومأكل ومشرب ، فضلاً عن رعاية أسرته تقديرا وعرفنا من الضابط لهذا الذي علمه وساهم في تربـيـته وتعليمه بضمير وتفان وإخلاص " " انتهى اقتباسي " .
فهذه القصة وما بها من جماليات " من علمني حرفاً كنت له عبداً " هي على عكس واقعنا الأليم في مدارسنا اليوم ، وقد عكست الحب والولاء لمعنى العلم بين المعلم والتلميذ ، وهي التي نريد أن نسعى لترسيخها في أبنائنا ليهتفوا من جديد .. " قمّ للمعلم وفّه التبجيلا .. كادَ المعلم أن يكون رسولاً " لا أن نعكس هذه الصورة النبيلة في حفظ المعروف والجميل ، بصورةٍ تتنافى مع قيّمنا وقيّم العلم التي تربينا عليها ، ولا نريد أن يأتي يوماً على أبنائنا يهتفون به .. قف للطالب وفّه التنكيلا .. كاد الطالب أن يكون قتيلا ..!!

akoursalem@yahoo.com



تعليقات القراء

ابن سينا
م عكور لقد انصفت ، مقالك رائع جدا ، يبقى المعلم متفضلا علينا ما دمنا احياء .
19-04-2009 03:22 PM
تربية وتعليم
يسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسلم ثمممممممممممممممممممك على هييييييييييك مقااااااااااااااااااااال على الوجع .
20-04-2009 12:30 PM
تربوي قديم
م . عكور ،،، نحن كما ذكرت بحاجة العودة الى بعض المفاهيم التربوية في ذلك الوقت من أجل ان نأخذ منها العبر ، نرسخها في اجيال اليوم ، لكن ما بالك اذا كان مدير المدرسة او حتى مدير التربية او الوزير بذاته بحاجة ان تغرس تلك المفاهيم فيهم أولا ،، لانهم الاناء الذي نشرب منه ما يطبق على ارض الواقع .. وانني اشكرك على هذا الاسلوب في طرح الموضوع
20-04-2009 02:11 PM
جويعد
شو صاير شاعر !!!؟؟؟
اذا كان الكلام من فضة فالسكوت من ذهب . أحرص على الذهب دائما الللة يرضى عليك
21-04-2009 02:20 AM

أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات