المعوقات الإدارية للجامـعات الأردنــية


يبدو أن جامعاتنا العامة تعاني من مشاكل مزمنة ومتشابهة وباعتقادي أن الجامعات مع تطورها من كل الجوانب إلا أن الجانب الوحيد الذي يتم التعامل معه فطريا أو ارتجالياً وليس كعلم هو الإدارة. حيث يكون معيار النجاح الأكاديمي هو السبب في تبوء فلان رئاسة قسم أو عمادة كلية بغض النظر عن معرفته أو مهارته الإدارية.

وإن كان الطموح أن تكون الإدارة في بلدنا مؤسسية إلا أنه علينا الاعتراف أنها مبنية على الفرد الذي يدير المؤسسة بشكل رئيس وعلى الموظف بشكل جزئي.

لذا جاء هذا المقال ليوضح هذه المعيقات وكيف يجب أن تكون العلاقة بين المدير والموظف وأنواع الموظفين وطريقة الاختيار وحاجة الجامعات لوضع استراتيجيات عامة طويلة الأمد مربوطة بأليات مبدِعة لتحقيقها وجاهزة للتغيير حسب تغير الظروف المحيطة.

وحيث إنه من السهل على صاحب القرار رسم أو وضع استراتيجيات عامة ولكن يبقى التحدي وضع خطة العمل Action plan)) والأصعب من ذلك البدء بالتنفيذ والتطبيق، عندها فقط تختلف الأولويات ويتغير الترتيب، وتتلخص المعيقات في ما يأتي:

أولاً)- لا يبدو أن أهداف جامعاتنا واضحة وهي ذات أفق قد لا يتعدى أشهرا ؛ما يجعله عرضه للفشل السريع كلما تغيرت الظروف الداخلية أو الخارجية المحيطة بالجامعة فعند رسم السياسة العامة لتلك الجامعة لا بد من دراسة الواقع الاقتصادي والمتغيرات الاجتماعية وطبيعة عملها وقدرات الأفراد العاملين بها وتأثير ومنافـسة القـطاعات الأخـرى بـها. فالتـغيير عملـية مستـمرة (Change is constant) وليست ثابتة ويجب أن تكون المؤسسة جاهزة (Prepared) لاستيعاب العوامل الخارجية المؤثرة؛ ما يعني إعادة هندسة المؤسسة باستمرار (Organization reengineering) وهــنا يـأتــي دور الإدارة الـشامـــلة (Total management). ولكن الطبيعة البشرية تكره التغيير وتقاومه.

فالتغيير قد يكون في السياسة العامة (Strategy) أو البناء (Structure) أو تحديد من مسؤؤل عن من (Who reports to whom) أو النظام أو الموظفين أو المهارة أو أسلوب العمل، وتغيير أسلوب العمل قد يتطلب أسئلة عدة منها لماذا التغيير والسرعة التي سيتم بها وهل هناك ثقة في أو عدم ثقة بالموظف وإذا لم تتوفر الثقة فلا بد من إيجاد نظام يسير خلاله الفرد ولا يقوده.

ولكن لا يأتي التغيير فجأة وعليه المرور بمراحل عدة هي:

إدراك الحاجة للتغيير( Recognition need for change)،وتشخيص الأسباب، وتطبيق الأسس والطرق الجديدة، وتوثيقها ودعمها، وتقييم التغيرات الجديدة، والاستعداد لإجراء تغيرات أخرى إذا كانت هناك حاجة.

ثانياً)- تتسم العديد من السياسات بالتقليد والتكرار وهذا واضح جلياً فإذا ما بادرت مثلاً جامعة بفتح مركز أو اختصاص جديد تجد أخرى تسارع بفتح نفس المركز أو الاختصاص. ما يعني ازدحام غير مبرر في استقطاب سبل النجاح سواء الكفاءات الفردية منها أو الدعم المالي فالإبداع (Creativity) هنا سيد الموقف فالذي يؤسس لفكرة تسبق غيرها يكون قطع نصف طريق النجاح.وعليه فإنه لا يختلف اثنان أن هناك قطاعات يجب أن تُرسم لها سياسات وطنية وليست فردية منحصرة بالمؤسسة الفلانية أو تلك كالتعليم والصحة وما شابه. وفي غياب السياسات الوطنية لمثل هذه القطاعات تعم الفوضى وتتبعثر الجهود ويفشل الجميع. وبعد طرح الفكرة الرئيسة يأتي دور تطويرها من خلال تطوير المؤسسة وهذا التطوير يعتمد على تطوير الاستراتيجية والتدريب والمهارة المرافقة وبناء الفريق Team building)) ومن ثم الحصول على التغذية الراجعة (Feedback survey) للتقييم أما الأمر الآخر والمهم فهو أن لا تطوير بدون اختيار الفرد (الموظف) المناسب، وهذا موضوع آخر يتأثر في بلدنا بالعشوائية المغلفة بالضغوط الاجتماعية في أغلب الأحيان. إن اختيار الموظف يحتاج أن يمر في بضع مراحل وهي:

تحديد الحاجة، ووصف طبيعة العمل، وتحديد مواصفات الموظف المطلوب، وجذب المرشحين للوظيفة، وتصنيف المرشحين، ومقابلة اختيار (selection interview)، واختيار الموظف الذي تتوافق فيه المواصفات مع طبيعة العمل ثم زجه في العمل ودعمه وإعطاؤه الثقة بعد عمل توطئة لذلك ((Induction لمساعدته دخول أجواء العمل وإزالة الرهبة من الزملاء والمحيط.

ثالثاً)- أصعب جزء في الإدارة هو الفرد وخاصة الفرد الأردني! فإذا قام رئيس الجامعة بتغيير كل استراتيجيات العمل بما فيها ساعات الدوام والأعباء وما شابه فقد يجد بعض التبرم والاعتراض لكنه لا يقارن بمحاولة تغيير منصب أو موقع موظف صغير في المؤسسة فقد تقوم الدنيا ولا تقعد وتبدأ الأفواج تُحشد لإعادة هذا “المسكين” لمنصبه وإن كان هذا على حساب المؤسسة وأهدافها حتى وإن ثبت أن الموظف يفكر ويسير ببطئ لا يتوافق مع ابداعات المرحلة القادمة. قد يبدو هذا السيناريو طبيعيا ولكن للقصة وجها آخر فلا ضمان لأن يكون قرار المسؤول تعسفيا لأن المسؤول أيضاً ما زال يعاني من غياب الهدف والتطبيق الصحيح للإستراتيجيات العامة.

ولأن الفرد هو محور الإدراة والمؤسسة فعلى صاحب القرار إدراك طبيعة موظفيه، وهي ثلاثة نماذج وعليه التعامل مع كل فئة بشكل مختلف وهذه النماذج هي:

النموذج الأول (التقليدي):

هذا النموذج يجد أن العمل بطبيعته ذو مذاق سيئ (Distasteful) وغالباً يعتقدون أن الواجبات التي يقومون بها أقل مما يكسبون علماً أن القليل من هذه الفئة يعمل بابداع وقادر على اتخاذ القرار المناسب شخصياً.

وهنا على المدير الاشراف المباشر والسيطرة على كل سؤال في العمل وتقليل حصص الوظائف المطلوب من الموظف القيام بها وإيجاد روتين للعمل وتوجيه الموظفين بشدة ولكن بعدالة. بالنتيجة ربما يحتمل الموظف العمل ويؤدي دوره الصغير بنجاح.

النموذج الثاني:

الموظف هنا يريد أن يشعر بأهميته وفائدته ويسعى لتمييزه وهذه الرغبات بالنسبة له أهم من المردود المالي. هنا على المدير أن يجعل الموظف يشعر بأهميته وأنه ذو فائدة وعليه أن يتسع صدره لسماع اعتراضاتهم ويترك لهم جزءاً لإدراة المشاكل والسيطرة عليها بأنفسهم.

النموذج الثالث:

هذه الفئة للعمل عندهم مذاق جيد وأهداف ذات مفاهيم شاركوا في وضعها للمؤسسة وهم في العادة مبدعون وأصحاب قرار وبالتالي على المدير توظيف هذه الـقدرات وإطلاقها (Untrapped human resources) وتشجعيهم جميعاً على المشاركة بشكل مستمر بكل أمور العمل، وعندها سيكون المردود تطوير العمل وسرعة إنجازه.

رابعاً)- غــياب الانتمـاء الحقيـقي وقد يــكون مرده فطــريا وهذا نــادر ولـكن قد يكـون مرده مكتسبا (Acquired) بسبب عـدم الشـعور بالإنصـاف في محـيط العمل (Inequity in workplace)؛ الأمر الذي يجعل الموظف أمام عدة خيارات مثل التقاعس عن العمل أو دفع زملائه للتقاعس أو طلب النقل لمكان آخر أو حتى الاستقالة؛ الأمر الذي ينعكس سلباً على استقرار المؤسسة واستمرارية العمل وتقدمه.

ولكن يمكن ترسيخ وتقوية انتماء الموظف لجامعته من خلال الشعور بالإنصاف أو الزيادة المالية أو شعوره بالأهمية وإعطائه الفرصة لاتخاذ القرارات (Autonomy). وبكلمات أخرى يتجب تــلبية رغـبـات الموظــف النفـسـية والفســيـولوجـية والخـاصـة وتوفــير الشـعور بالأمن (Security).

خامساً)- سر نجاح الجامعة لا يتأتى فقط برسم السياسات العامة بل كذلك بالاهتمام بالتفاصيل الدقيقة “Fine details” فهناك فرق بين مؤسسة ذات بناية ضخمة وعندما يدخلها المراجع يضيع رغم انبهاره بها قبل دخوله، وبين مؤسسة أصغر منها لا تُبهر الزائر ولكنه يجد إشارات وموظفين على استعداد لتقديم الخدمة وتسهيل مهمته.

سادساً)- الملفت للانتباه أننا -كأفراد- تربينا على المركزية فالأب هو صاحب القرار في البيت والمدير لا يُناقَش والمسؤول لا يمكن أن يُخطئ فصار الموظف بحاجة لمسؤؤل له يطلب قراره وليس رأيه. ومما يزيد المشكلة تفاقماً أنني نادراً ما أرى موظفاً يعود لتعليمات أو أنظمة خطية صادرة في تواريخ سابقة ليتأكد من حُسن اتخاذ القرار بل لتعمق المركزية في عقليتة يجد طلب المشورة من المسؤول الأعلى أسهل حتى بتنا نشعر أن غياب المدير يعني سقوط المؤسسة !!

إن اللامركزية هي الحل الأفضل للخلاص من البيروقراطية طالما أن المؤسسة بإمكانها تصحيح الخطأ إن وقع، وحتى نتخلص من المركزية لا بد من تجذير المؤسسية لأن غيابها يجعل الباب مفتوحاً لصراع المصالح “Conflict of interests”.

سابعاً)- إن نجاح جامعاتنا بل مؤسساستنا العامة جميعها إدارياً يتطلب بالنهاية توفر ثلاثة عوامل هي:

العدالة:
وتتطلب مؤسسات قضائية فاعلة ونشطة وسريعة وتستخدم أعلى درجات التكنولوجيا وتوظف أقدر الأفراد ابداعاً وخبرة وعلماً (وهنا أضع العلم في المؤخرة لأن الحصول على الشهادات هو أسهلها).
الابداع:
ويتطلب دراسة المؤسسات العالمية الخاصة وسبل نجاحها وكذلك دراسة كل النماذج المحلية الناجحة والاستفادة من المعايير الايجابية وطرح السلبية منها وتوظيفها لخدمة مؤسسات أخرى مع إضافة كل المتغيرات التي تحتاجها هذه المؤسسة أو تلك.

الشمولية:
وهي الاهتمام بالتفاصيل الدقيقة تماماً كالاهتمام بالشكل العام وأن يكون كلٌّ بمقدار فلا الإمعان بواحدة على حساب الأخرى بل النظر لكلٍ متكامل.

بقي أن نبحث عن صفات نفسية ومعنوية للموظف تنشأ مع الفرد منذ الولادة إن وجدت، ضاعفت نجاح الفريق وبالأخص التخلص من خيار الصفر (Zero option) وهو ما تكسبه أنت خسارة لي. ويد واحدة لا تصفق



تعليقات القراء

الدكتور حسن المومني - الامارات
كلام جميل دكتور عاهد، ولكن اين التطبيق على ارض الواقع، واين هم هؤلا الذين تتحدث عنهم؟
17-04-2013 10:14 PM
المقابله التكنولوجيا
كلام من صميم القلب لكنه صعب تطبيقه باالأردن لأننا عشائريه
18-04-2013 10:20 AM
مطلع تكناوي
...........
رد من المحرر:
نعتذر.........
18-04-2013 10:34 AM
ابو عبدالله
لقد نسي الدكتور محور مهم جدا وهو الفساد الآداري الموجود في الجامعة وعلى سبيل المثال بعض الموظفين الذين يتقاضون رواتب وهم موجودون فب البيت بحجة أنهم بدرسوا أو .......
18-04-2013 12:27 PM
عارفين وشايفين
اهم المعوقات الإدارية هي تعيين أشخاص في مواقع صنع القرار لاعتبارات شخصية -رغم تواريخهم الحافلة بالتسيب والفساد والانتهازية. يعينون فقط لوجود قرابة أو صداقة أو ارتباط مصلحة صاحب القرار بالإداري الذي يتم تعيينه ليتمكن من تحريكه عن بعد. هذا للأسف حال جامعاتنا ومع غياب الرقابة والمحاسبة أصبحت حارة كل من إيده اله وحلال على الشاطر كل ما بتطوله ايده
19-04-2013 04:01 PM

أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات