التعاطف الشعبي الكبير الذي حظي به حراك المعلمين منذ نشأته والفرحة الكبيرة بانتصار إرادة المعلمين وتحقيقهم مطالبهم كانتا مؤشرٌ للمعلمين أنفسهم ان المطلوب منكم يفوق المسائل المهنية التي تخص المعلمين ليتجاوز ذلك لتصبح نقابة المعلمين أملا لدى المتفائلين بتحقيق سند شعبي حقيقي لمهضومي الحقوق بشتى أنواعها.
ولكن بعد مرور سنة على تأسيس النقابة أصيب الجميع بالإحباط نتيجة الأداء البطيء للنقابة ودورها الضئيل على المستوى الوطني, وبدلا من أن تكون رافعة للعمل العام وداعمة لها اقتصرت أعمالها على منح اوراق انتساب ووثائق تسهيلات القروض ووثائق للصحة وغيرها من الأمور التي تبسط دورها فيها كمؤسسة رعاية لا أكثر.
ولعل الأسباب كثيرة للبرود الذي أصاب الكثير من المعلمين الناشطين أبان حراكهم أهمها فردية مجلس النقابة واقصائيته واعتماد اعضاء هذا المجلس على ديمقراطية الإقرار بالأغلبية المُعَدَة تنظيميا بدلا من ديمقراطية التشاركية – وهو ذات النهج القديم للجماعة الإسلامية والمستمر في المحيط ايضا – وتعطيل النظام الداخلي والاصرار على قانون القوائم المغلقة كل ذلك أدى إلى توقف العربة وسط خيبة أمل كبيرة من الجمهور المتابع للنقابة .
لكن هذا الفتور لا يمس معلمين ترفعوا عن المصالح الضيقة وابتعدوا عن أي تضييق للفكرة, وهم معلمو فرعي نقابة المعلمين في الكرك والطفيلة ,, وهنا الحديث عن الخروج من بوتقة الخدمات التعليمية المهنية الضيقة الى مجال العمل العام الواسع, فقد نجح معلمو الفرعين المذكورين في إعادة الأمل لنا – نحن المتابعون – بدور نقابة المعلمين , بعد أحداث جامعة مؤتة المؤسفة والتي أدت الى تعليق الدوام فيها لأسبوع تشكلت منذ اول ايام الأحداث خلية عمل نشيطة في نقابة المعلمين فرع الكرك وكنت ارقب عملها عن قرب طيلة ساعات انعقادها صباحا ومساءً, تعقد اجتماعاتها وتضع خططها لإصلاح ذات البين وإعادة الأمور على ما كانت عليه ضمن آليتي عمل: حيث عقدت الاجتماعات والفعاليات بهدف ايجاد حل آني للخصومة بين الأطراف وإعادة الدوام لجامعة مؤتة,, والآلية الثانية هي وضع استراتيجية عمل تهدف الى القضاء على ظاهرة العنف من الجامعات والمجتمع ضمن برنامج توعوي تدريبي يتم ترتيبه داخل أروقة نقابة المعلمين في الكرك, المبادرون في الشقيقة الطفيلة وهم السبّاقون دوما الى العمل العام ورغم الخلاف العميق بينهم وبين مجلس النقابة في عمان إلا أنهم تحركوا باتجاه عقد الاجتماعات واللقاءات مع الطلبة وأهاليهم ومدرسيهم ومنع امتداد المشاجرة الى جامعة الطفيلة التقنية ولقاء طلبة الطفيلة في جامعة مؤتة وتوعيتهم بأبعاد وأضرار هكذا عنف, المجتمعون في الكرك بعثوا رسالتهم للمعنيين في بيان يرفض اغلاق الجامعة او أي محاولات لخصخصتها او نقلها وطارحين عدة حلول آنية لمعالجة الخلل, وفور عودة الدوام الي طبيعته في مؤتة وفي صبيحة الاحد توزع معلمو الكرك على بوابتي الجامعة يوزعون بيانهم ومناشدتهم الطلبة بالهدوء والمحافظة على الجامعة وممتلكات وطنهم, واللقاء بالطلبة كون المعلم هو المربي والمدرس السابق لأي طالب, جولة في كليات الجامعة والتقاء المزيد من الطلبة من جميع الاطراف ومن ثم لقاء مع ريس الجامعة. كمراقب كنت استمع الى ردات فعل الطلبة والاساتذة الجامعيين على مبادرة المعلمين ومدى تقديرهم لهذه البادرة متمنين استمرار فرعي النقابة في الكرك والطفيلة بهذا الدور,, وآملين بامتداد هكذا أعمال الى الفروع الأخرى.
المطلوب من المعلمين كثيرٌ, ويتجاوز مهنة التعليم ايضا, المعلمون هم كتلة ووحدة حقيقية قادرة على التأثير في المحيط والقرار العام وهذا من تجربتهم العظيمة في حراكهم , والوطن إذ يمر في أشد مراحل الخطورة على تكوينه ومستقبله فهناك واجب على كل أردني ان يتقدم الصفوف ويدافع عن هذا المستقبل والمعلمون هم أهل المبادرة, وقد يكون الدفاع عنه بأشكال مختلفة أهمها الخروج من بوتقة خدمات المعلمين الى خدمة الوطن وحمايته وتفعيل دور النقابة في الشأن العام الاجتماعي والثقافي والسياسي ومستقبلا الاقتصادي ,, وهي دعوة لكل فروع المعلمين في ظل حالة التزمت والفردية التي يعيشها مجلس النقابة في عمان ان يبدأ الأمل بالعودة من خلال الفروع في المحافظات كما فعلت الكرك والطفيلة .

عباس النوايسة