من يجرؤ على الكلام


ما من أحد يجرؤ في القرية على القول, بأن عطا لله ذبح الفدان, مقولة أردنية قديمة كان يختتم بها الآباء حديثهم, للدلالة على الخوف من قول الحقيقة, كما ينبغي لها أن تقال. وغالبا ما كان يتندر بها أهل القرية وكثير من القرى التي حولها في مجالسهم وسهراتهم, ويعتبروها الجملة الخاتمة لحديثهم, تعبيرا عن قهرهم وعجزهم عن قول حقيقة ساطعة.
لا أحد في القرية كان يجرؤ على القول أن الولد المدلل, عطا لله, الابن السمج للشيخ سليمان, سيد الدار ومالك العقار, صاحب الثور والحلال هو الذي ذبح الفدان, وهو الثور المقهور, الذي اعتاد عطا لله امتطاءه ليال طوال في خانه, حتى نفق الثور ذات ليلة شتوية باردة, مهدود من التعب والقهر ! وألصقت تهمة ألإهمال بالعبد الخادم "حساوي" الذي لم يألو جهدا بالتحذير والوشوشة لأم عطا لله الشيخة فلحا عن ممارسات ولدها عطا لله الغليظة مع الثور. لكن حساوي العبد المأمور, والمطيع لسيده الشيخ سليمان وسيدته الشيخة فلحا كان يقوم بمهامه خير قيام من علف الثور وخدمة الطرش وحرث الأرض وزراعتها إلى جني المحصول على أتم وجه وحال. لبس حساوي التهمة غبنا بدلا من عطا لله, بمكر وتدبير من الشيخة فلحا, زوجة الشيخ سليمان, طمعا بسخائها عليه, إن هو ادعى بأنه المقصر والمسئول عن موت الثور, ادراء وحماية لعطا لله من غضب وعقوبة والده, الذي يعرف قيمة الثور, ولا يعلم عن كيفية موت الثور, ولا عن حقيقة الممارسات التي يرتكبها ولده عطا لله في الخان من شيء. وقد عوقب حساوي لتقصيره, بتكتيفه وجلده ووضعه بالعراء, ومنعه من الأكل والشرب لثلاثة أيام ولياليها وهو يتمتم, ويقول لنفسه, من يجرؤ على القول أن عطا لله ذبح الفدان.
في كل مؤسسة في بلدنا غبن, ويوجد عتاة غلاظ من أمثال عطا لله, ويوجد كذلك نماذج خائفة على مكتسباتها ووضعها مثل حساوي, ولكن لا يوجد هنالك من يجرؤ على الكلام, وان وجد فهو لطموح شخصي, في بلد يقل فيه من يجرؤ على قول الحقيقة الكاملة ! لقد تآمر أهل بيت الشيخ سليمان وتآمر سكان القرية بعدم إفصاحهم للشيخ عن حقيقة الأمر, في أن عطا لله كان يمتطي الثور في كل ليلة, بمعرفة من أمه ومشاهدة جميع أقرانه من سكان القرية, وبأنه كان يمتطي الثور عنوة في الخان ويدور في أرجاءه بقسوة حتى أنهك الثور ونفق. لقد خسر أهل القرية الثور وخسروا معه حساوي الذي مرض بعدها ولم يجرؤ احد على قول الحقيقة حتى موت الشيخ سليمان وموت زوجته فلحا. وباتت الحقول بلا حرث وزرع, وجفت الآبار, وتصحرت السهول, وجف الضرع ونفقت المواشي. وورث عطا لله الولد المهذار, الدار والعقار, الذي باعه فيما بعد, ووفر لنفسه كل متطلبات عصره ليرحل ويسكن في شقة ضيقة في العاصمة حتى شاخ وانحنى ! غاب عطا لله عن القرية وطالت غيبته, ولكن الناس لم يغب عن بالهم بأن عطا لله هو الذي ذبح الثور, الذي يسمونه بالفدان, وبفعلته أنقضى حلم جميل, راودهم كثيرا, ولم يعد يمثل واقعهم الذي تغير إلى غير رجعة, لكن عطا لله بقي مثالا للصبي المستهتر برغم شيخوخته وكبر سنه, ولم يعد يذكر في القرية إلا بتلك القصة التي توارثتها الأجيال برغم قدمها كلما أتى عطا لله من العاصمة لسبب يخصه هو, ولا يخص أحد غيره.



تعليقات القراء

ابو زوزو الصغير
يادكتور مش عارفين انقول انه سياره اتدهورت او طياره وقعت او زلزال وقع او البلد انسرقت غير تانسمع من الاخبار وتتكرر عشرات المرات تانحس بامان لاننا خايفين على العده واحنا ماعندناش عده والله اعلم متى برجع الثور مشان نحرث الارض والتي لم تعد صالحه للزراعه لان زمن البركه قد وللى وجاء زمن النحس يادكتور ونشكرك على مقالك الهادف لكن يادكتور كف مابلاطم مخرز والباقي عندكم بالقياده.
17-04-2013 03:39 PM

أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات