القدس .. ؟


 بالأمس ، تحقق إنجاز عظيم ، وقد عادت القدس إلى حاضنتها الشرعية ، عادت بهلالاتها وصلبانها مُعلقة في رقاب الهاشميين ، وإن كان الفلسطينيون قد أودعوا القدس في عُهدة ملك العرب ، الشريف الحسين بن علي طيب الله ثراه ، فعاش ومات من أجلها ودُفن فيها ، فإن أهل خليل الرحمن علقوا مفاتيح الحرم الإبراهمي الشريف في رقبة المغفور له ، الشهيد عبد الله بن الحسين الأول ، واليوم نرى التاريخ يُعيد نفسه بتجديد البيعة ، فبالأمس قد تكرس مجددا عبدالله الثاني ابن الحسين خادما للحرم القدسي الشريف ، أعانه الله وأعان شعبه من أهل جنوب الديار الشامية ، على هذه المسؤولية بأبعادها العقائدية ، برمزيتها الروحانية وبالحفاظ على عروبتها وإسلاميتها ، وإن كان هذا فخر عظيم للأردنيين ، فأنه ثِقل كبير يحتاج وفي هذه المرحلة بالذات ، إلى تصليب وتمتين الجبهة الداخلية الأردنية ، حيث بات واضحا أن هناك ترتيبات يجري إعدادها وراء الكواليس ، تحمل في ثناياها عملا سياسيا ، يخص قضية فلسطين ، بشكل ما وفي وقت غير بعيد .

-في منأىً عن العاطفة العربية ، الإسلامية ، المسيحية والإنسانية تجاه مدينة القدس ، مدينة السلام وزهرة المدائن ، جاء فاقد الدهشة على عجل ، ليقول ناهيك عن أن القدس عقيدة العرب مسلمين ومسيحيين ، فإن القدس ضمن معادلة الصراع العربي بمكونيه المسيحي والإسلامي من جهة، ومع المُحتل الصهيوني من جهة أخرى ، تُعتبر مُفترق الطرق بين الحرب والسلام ، بين الحياة والموت ، وهذا لا يتوقف عند الصراع الناشب منذ عقود بين العرب واليهود فحسب ، إنما القدس وهي بوابة السماء ، هي المقدمة الأولى لترسيخ مبادئ السلم العالمي ، فما دامت القدس ترزح تحت نير الإحتلال الصهيوني ، يعبث بمقدساتها ويدنسها ، يمارس الفصل العنصري ضد الشعب الفلسطيني ، يستلب الأرض ويملؤها بالمستوطنات، ينتهك الحرمات ويحرِم الفلسطينيين من أبسط حقوق الإنسان ، فسيبقى الصراع مُستمرا والحروب مشتعلة بين الحق العربي والباطل اليهودي.
- التفوق اليهودي...!
- إلتفت إلي فاقد الدهشة وقال : أبكيك يا زمن العُهر ، فلو كنت ثريا لصدقني الناس يوم قلت إن إسرائيل ومن ورائها أمريكا في أسوأ حالات ضعفهم ، ليس على الصعيد الشرق أوسطي فحسب ، بل على الصعيد الدولي أيضا ، أما وقد أصابني الذهول من هذا التصريح المُدهش ، فقد إغتنمت فرصة إنشغال فاقد الدهشة في بعض طقوسه ، حين كان يملأُ كوب الشاي ، يشعل سيجارة وينفث الدخان ، لأعاجله بالسؤال ، إن كان يشعر بصداع أوحُمّى ، سببت له هذا الهذيان ، ويريد إقناعي بأن إسرائيل وأمريكا في حالة ضعف ، حتى خشيت أن يقول أن العرب باتوا أقوى...!
-بدون تعليق ، رماني اللعين بنظرة باهتة ورسم على شفتيه تلك الإبتسامة الصفراء بطابعها اللئيم ، ثم قال :لا بأس فأنا لا أعتب عليك ، وأعلم أنك من جيل الجُبن والغباء معا ، من الذين يعتبرون المرأة عورة ، لأنك ما تزال تعتقد أن القوة هي حاملات الطائرات ، الصواريخ ، الدبابات والنووي ، ولا أنتظر منك أن تفهم أن الأمور أعقد بكثير من هذا ، لأنك لم تستوعب أهم ما أنجزه الربيع العربي ، كقوة أشد فاعلية من كل هذه الأسلحة ، وأن شبان وصبايا الربيع العربي باتوا يشكلون قوة ردع ، بدد أهمية كل ما لدى أمريكا وإسرائيل من تلك الأسلحة وقدراتها ، ولن أندهش أنك وجيلك ما تزالون تستعملون الشتائم والأدعية ، للتفوق على إسرائيل وإضعاف أمريكا ، لأنكم لا تدرون معنى أن شعوب الربيع العربي كسرت حاجز الخوف ، وهو ما يقض مضاجع إسرائيل ويهدد مصالح أمريكا في الشرق الأوسط ، لا بل في العالم ، وسبب إرتباكك ومن على شاكلتك أنكم لا تنظرون أبعد من أنوفكم ، وتتعاملون مع الشكليات بغير غوص في الإستراتيجيات.
- بسرعة سألت ، وماذا بعد...؟
- بزهو لا يخلو من الإستعلاء ، أصر فاقد الدهشة على تجديد القهوة ، وأشعل سيجارة وقال : إذا علينا العودة إلى المربع الأول ، القدس ، فلسطين والشرق الأوسط ، وبكائية أزمتي المالية ، التي تُعيق مصداقيتي عند البشر ، الذين لم يصغوا إلي ، حين قلت غير مرة أن القدس صُرة الكرة الأرضية ، وأن فلسطين قلب الشرق الأوسط والأخيرهوعاصمة العالم ، وإن فَقَدَت أمريكا حكمها وتحكُمها بالشرق الأوسط ، فهذا يعني أنها إنتهت كقطب أوحد وربما لن تكون الثاني في العالم ، بالإعتبار لعدة عوامل أساسية تحمل ذات القلق لإسرائيل كما لأمريكا ، فبالإضافة إلى لفشل السياسة الأمريكية في غير مكان في هذا الإقليم وما حوله في جنوب شرق آسيا تحديدا ، فإن تصاعد قوة مجموعة البريكس سياسيا ، تقنيا ، إقتصاديا وتسليحيا ، يضاف إلى ذلك سقوط أمريكا أخلاقيا وقانونيا في إنحيازها لإسرائيل بغير وجه حق ، تنامي الإستياء لدى الشعب الأمريكي وشعوب أوروبا والعالم ، من النهج العنصري الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني ، وحماية أمريكا لهذا النهج اللاأخلاقي وغير القانوني ، ناهيك أن الشعوب العربية والشرق أوسطية ، لم تعد تلك الشعوب الخانعة للأصنام التي تُنصبها أمريكا حكاما ،فأمريكا لديها ملايين العيون والآذان ، وباتت تدرك أن الشرق الأوسط ، إسرائيل ، النفط وكل مصالح أمريكا أصبحت تحت رحمة المجهول ، الذي بات في عُهدة الشعوب الثائرة على حكامها التي طالما إعتمدت عليهم أمريكا.
- وقد شعر صديقي اللدود أنني بصدد حديث أو تساؤل ، إستمر قائلا ، أما وإن توقفنا عند أهم دولة عربية مصر ، ومن ثم سورية والعُراق ، سنجد أن أمريكا وإسرائيل في ورطة متنامية ، فهذه الدول الثلاث هي المجهول بعينه ، أم أنك وبقية الأغبياء لم تستوعب الدور القطري في قمة العرب الأخيرة بعد...؟ وتظنون أن المصالحة الفلسطينية ، السودانية والأفغانية وتغييب جبهة النُصرة عن المسرح السوري ، والضغط على حكومة المالكي في بغداد ، وبغير نسيان لأهم مصالحة بين تركيا وإسرائيل، هي مجرد عوامل وشؤون داخلية في هذه البلدان...؟
- سارعت للتعبير عن ذهولي لما سمعت من فاقد الدهشة ، وقلت : ألا ترى أنك توهتني وعبرت بي إلى دهاليز الغموض...؟ فما علاقة كل هذه المعادلات السياسية ، وهذا التنظير والشرح المطول ، فيما بدأته من حديث عن القدس ، وتجديد دور الهاشميين في حمايتها ورعاية مقدساتها ...؟ ، أم أنك تريد الكلام والسلام...؟
- إستشاط اللعين غيظا ، ونعتني بالغباء ووصفني بقلة الحيلة ، وشتم اليوم الذي عرفني فيه ، وبكل عُنجهية طلب علبة سجائر ونستون أحمر وولاعة جديدة ، وتسخين القهوة ، وبعد أن أمنت له كل ذلك ، مارس طقوسه مجددا وتتوج منظرا ، ومن ثم قال : الآن وبسرعة ستتم عملية برمجة الإصطفافات الإقليمية من جديد ، حيث بات ضروريا إحداث إختراق نوعي في قضية فلسطين ، من شأنه أن يشكل أهم عوامل الأمن لإسرائيل ، كأهم مصلحة أمريكية في الشرق الأوسط توازي الطاقة ""النفط"" وبقية المصالح الأمريكية الأخرى ، ناهيك عن أن مثل هذا الإختراق سيُفتِّر غضب العُصابيين الإسلاميين ، ويُعيد تشكيل مفهوم الإسلام السياسي ، في الوقت الذي تضغط فيه الحالة المصرية ، على العصب الرئيس لجماعة الإخوان المُتأسلمين ، إذ من المرتقب أن يُخفف نظام الحكم الحالي في مصر من حدة خطابه الديني ، ليلعب سياسة بمنهاجية أردوغانية ، وإن لم يفعل بنجاح فسيتم إسقاطه في الشارع المصري وبدعم من القوات المسلحة والأجهزة الأمنية المصرية ، أم أنك كبقية الجهلة لم تستوعب مواقف هذه القوات والأجهزة في موقفها من إتفاقية السلام مع إسرائيل...؟ وما يترتب على مصر من فعل لتمرير عملية برمجمة الإصطفافات التي تديرها قطر ...؟
- فيما أنا أتأمَّل وأتفكَّر بهذه الطروحات التي يتبناها فاقد الدهشة ، وهو منشغل بطقوسه المعهودة ، وفيما أنا على وشك السؤال مجددا عن القدس كعنوان لهذا الخطاب ، تنبه فاقد الدهشة ، القادر على قراءَة أفكاري ، وكي يستمر مزهواً باغتني قائلا : لا يغرَّنك ما تقوله إسرائيل ، فحتى شعار ""القدس عاصمة إسرائيل الأبدية"" لا يعدو كونه مناورة سياسية لإثبات الوجود الإسرائيلي ككيان غير مُهدد عربيا وإسلاميا ، وهو إن حظيت به إسرائيل سيكون كما يقول الأتراك ""بركات ورسن"" وسيبقبل بعده الأسرائيليون أياديهم ""وجها وقفا"" كما يُقال شعبيا ، أي خيرا وبركة ، أما لماذا إتفاقية القدس الأخيرة ، فقد سبق أن أكدنا عليه بطرق عدة ، ومن أهمها أن علاقة الأردنيين والفلسطينيين ، علاقة حياة ومصير ، والأردن شريك أساس في كل خطوة تقدم أو تؤخر في بداية ونهاية قضية فلسطين . وعليك وعلى أقرانك أن يفهموا هذا جيدا ، جيدا. وغادر



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات