فاقد الدهشة وحق العودة


 صحيح أن فاقد الدهشة من غير ، كحبة العدس ، كالماء القُراح ، لا لون ولا طعم ولا رائحة ، لكن شعاره الذي لا يحيد عنه قيد أنملة ""أما أنا فلا أخلع صاحبي"" ، لا يتخلى عن وعد ولا ينكأ عهد ، وهو ما يُوقعه في الإشتباك مع الأحبة والإصدقاء ، حين تختلف وجهة نظره مع وجهات نظرهم ، على خلفية موقف سياسي هنا ، أو تفسير للوعي الوطني هناك ، وقد يشعر بحزن شديد إن حدث واتخذ أحد أحبته موقفا مغايرا لقاعدة ""الإختلاف في الرأي لا يُفسد للوِّد قضية""، فعندئذ تثور حفيظة فاقد الدهشة عتبا على زمن اللامعقول الذي بات يُغلف حياتنا من مختلف الجوانب ، سياسيا ، إقتصاديا وإجتماعيا ،ففي هذا الزمن الذي إختلط فيه الحابل بالنابل ، وتخضع المسلمات لأشكال وأنواع من التفسيرات أصبح التوافق يئن تحت سياط المُتغيرات ، بسبب تسارع الأحداث وتنوع الإشكاليات التي تتدفق في أحضان المشتغلين والمهتمين بالسياسة ، ويزداد الأمر صعوبة على مخضرم كفاقد الدهشة ، لكونه يبعث رسائله بمنظور إستراتيجي ، ولا يُخضع رأيه للتكتيكات أو ما يُطرح ويحدث من أحداث يومية وخلال السويعات.
- هذه مقدمة أرادها فاقد الدهشة ، لتوضيح بعض القواعد والقناعات الراسخة في العقل والوجدان ، كما ترسَّخ على أرض جنوب الديار الشامية ، جبل شيحان في الكرك وجبل كنعان في خليل الرحمن ، لا يتزحزح عنها إلا بمعجزة تُزحزح هذين الأشمين من موقعيهما ، وعندها يصبح لكل حادث حديث ، قد يدفع فاقد الدهشة لتغيير وعيه وقناعاته في فهمه للدين الإسلامي الحنيف ، سِرُّ مشاكله مع الأحبة ، مع بعض الأصدقاء والخلان ، وربما لحظة ذاك سينضم لجماعة الإخوان المُتأسلمين ، الذين ما يزال بعض أحبة فاقد الدهشة ، يؤمنون بمنهاجيتهم السياسة ، ويُجيزون لهم إمتطاء صهوة الإسلام الحنيف ، لغايات دنيوية تحملهم عبر دهاليز عُهر السياسة للتربع على عروش الحكم في الديار العربية ، وربما يذهب الظن بهم أن بمقدورهم إستعادة الأندلس ، وهو ما سيُعجب فاقد الدهشة ، فيقوم فورا بمبايعة المرشد العام على السمع والطاعة .
- لكن ما دام شيحان في مكانه ، وكنعان في مكانه فسيبقى فاقد الدهشة في مكانه ، حربا بلا هواده على الذين يُنصِّبون أنفسهم أوصياء على دينه وإسلامه ، ويريدون إختزال دين محمد صلى الله عليه وسلم ، في حزب سياسي يستلب ثورات شعوب الربيع العربي ، التي إنطلقت ضد الطغيان ، دكتاتورية الحزب الواحد ، شوفينية الأيدلوجية وشمولية النظام السياسي ، الذي حرم هذه الشعوب على مدى عقود من الحرية ، الديموقراطية ، حقوق الإنسان ، الحق ، العدل والمساواة بين الناس ، ذكورا وإناثا ، شيوخا وأطفالا ليعيشوا في دولة مدنية عصرية يكون فيها الدين لله والوطن للجميع ، في زمن تبدد فيه الجهل وتلاشت الجهالة ، وأصبح فيه الجميع يدرك طريق الحلال ويستوعب مزالق الحرام ، لا يحتاج لعناء كبير كي يستدل على الصواب والنأي عن المُعاب .
- فاقد الدهشة حزين.
- أما لماذا...؟ فهذه قصة أخرى لها علاقة في الوعي على مفهوم الوطنية ، والذي يعمل البعض على إخراجه من مضامينه الأساسية ، يحمله إلى متاهات العُصابية ، يختزله بأحلام شخصية ، جهوية ، إقليمية وفتنوية في سعي جَهولي لمكسب هنا أو ربح هناك وربما لإنفاذ أجندة غير مرئية ، دون إدراك لما يعيشه أهل جنوب الديار الشامية من مخاطر تُحيق بهم ، فلا الأردن بسلام ولا فلسطين بسلام ، والجميع يعاني خطر الذوبان في أتون مشتعل النيران ، يُحيط بالأردن ويمزق سورية ، يتآمر على فلسطين ، يختطف العُراق ، يعمم الفوضى في مصر وفي طريقه لسحق لبنان ، وبعضنا ما يزال يهذي إن كنا من هنا أو من هناك ، نكيد لبعضنا فنضعف أردننا بغير وعيٍّ على أن في ذلك ضياع لفلسطيننا ، ونتلهى في الجدل حول جنس الملائكة ، إن كانوا من شرقي النهر أو من غربية ، وننسى أنهم ملائكة بفلقة واحدة ، عنوانها وقوامها وحدة حياة ومصير ، والفارق هو فقط بين أنا أو نحن...! وأيٍ منهما نختار في زمن لم يعد للفرد فيه مكانة ، تخوله القدرة على سياقتنا كقطيع ، مهما تعمق فصل الربيع
-إذا ، لا غرو إن دعاكم فاقد الدهشة إلى مضافته ، في ميدان حركة اللاجئين وحق العودة ، لجلسة تأمُل ، تفكُر وتدبُر ، كي تجدوا أن السبيل الوحيد لتحقيق مبتغاكم كأفراد وجماعات يقبع في هذه الحركة ، التي إن لم تُنجز مهامها فسيذهب بنا عبد الحليم حافظ إلى ترديد ، طريقك يا ولدي مسدود ، مسدود ، فهل أيقنتم...؟ ، الأمل في مدى العقلانية وصدق الوطنية ، وسلاما



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات