افلاس


نقرأ ونسمع عن مؤسسات ماليّة كبيرة انهارت ( مالياً ) وأُعلن إفلاسها ، وعن رجال مال وأعمال كانت أسماؤهم تملأ الأسماع والأسواق وإذ بهم يُصبحوا مفلسين بين عشيّة وضحاها . بالتأكيد لم أقصد الحديث عن هذا النوع من الإفلاس على أهميّته ، فله أربابه المحللين الماليين والاقتصاديين .
فالمسؤول الذي يتربّع على كرسي المسؤوليّة " مهما كان مستواها " ردحا من الزّمن ، بينما مستوى العمل المُناط به يتراجع باستمرار أو لا يتقدّم . ألا يُعتبر ذلك مؤشرا على أنّه ليس في الإمكان أفضل ممّا كان . وأنّ هذا المسؤول العتيد لم يعد قادرا على الدّفع بمؤسسته للتّقدم والنّجاح . ألا يدّل ذلك على حالةٍ ما من ( الإفلاس ) عند هذا المسؤول في الخطط والبرامج والحلول الإبداعية في إدارته . وأن قّدراته لم تعد قادرة على إعطاء قيمة مُضافة للعمل .
والأحزاب والقوى السياسيّة ( الموالية والمعارضة ) على حدّ سواء ، التي لم تستطع ، تقديم برامج عمليّة ( غير إنشائية ) وحلولا للمشاكل التي يُعاني منها المواطن ويغرق فيها البلد . فالموالاة لا تُتقن إلاّ كلمة ( نعم ) وموافق في الوقت الذي يريد صاحب القرار من ينصحه ويفتح له أبوابا موصدة وآفاقاً كانت ضبابيّة . فصديقك من صدقك لا من صدّقك . والمعارضة أيضا تفتقد الرؤية الواضحة والمنهج المدروس والخطط الجاهزة التي تجعلها قادرة على إخراج الأوضاع من حالة الاضطراب واجتراح حلول آنيّة وقصيرة وطويلة الأجل لحل المشاكل التي يئنّ منها المواطن . فالاكتفاء باللوم والمشاغبة والرّفض ليس حلاً ولا يقود إلى حلّ , فكلاهما ( الموالاة والمعارضة ) مطلوبٌ منها أن تٌعدّ نفسها وتهيئ لمرحلة يمكن أن تكون في موقع صنع القرار ، فلا تُؤخذ على حين غرّة وإذ بها لا تملك الخطط والوسائل والإمكانات لتكون بديلا وفي موقع الفعل لا التنظير . فتكون خيبة الأمل مُضاعفة .
معظمنا يمرّ بحالة من التّصحّر و ( الإفلاس ) الفكري و ( إفلاس ) الهمّة ، تجعل الفرد غير قادر على العطاء المطلوب . هذه الحالة قد يمرّ بها الإنسان في أيّ موقع . فالكاتب مثلاً يُصاب بهذه الحالة ويصبح غير قادر على تقديم الجديد والمفيد . بعضهم يُكابر ويستمر في اجترار نفسه والهروب إلى ( الخلف ) . والقارئ ذكي ويُدرك أنّ الكاتب يُعاني من هذه الحالة . وبعضهم ممن يحترم قرّاءه يغيب فتره علّه يجدّد نشاطه الفكري .
أمّا أن يتم تهديد الشّعب وإخافته بأن الوضع الاقتصادي على وشك الدخول في مرحلة الخطر وأن الخزينة مقبلة على ( إفلاس ) إن لم يتم اتّخاذ إجراءات سريعة و( جراحيّة ) لإنقاذ الوضع . وليس أسهل وأقرب من جيب المواطن المخروق والمنفوض ودخله المهدود والمكدود أصلا للميل عليه ، فهو جمل المحامل والصّدر الواسع ، لا يشكي ولا يبكي ولا يئن . بدل أن يبدأ المسؤول بنفسه ، فمن ساواك بنفسه ما ظلمك . والبحث عن حلولٍ أُخرى أكثر جدوى وأقلّ ضررا .
ورسولنا عليه الصّلاة والسلام يُريد أن يغرس فينا مفهوما بطريقة عمليّة بسيطة ، حين سأل أصحابه ، أتدرون من المفلس ؟ فكانت إجابتهم تقليديّة والتي يعرفها معظمنا . ولكنّه صحح المفهوم بأنّ المفلس من يأتي بأعمالٍ وحسناتٍ كثيرة ، ولكنه يقوم بسلوكيّاتٍ تأكل هذه الحسنات . فتذهب لمن ضربه أو شتمه أو أكل ماله أو اعتدى عليه بأي شكل من أشكال الاعتداء . فعند الله يجتمع الخصوم وهو العادل ولا يظلم ربّك أحدا . ولعلّ أشدّ أنواع ( الإفلاس ) ألماً أن تكون ( مفلسا ) أمام مرآةِ نفسك .
فإذا كان ( مفلس ) الدنيا قادر على استعادة عافيته المالية أو الفكريّة بعد فترة ..... فانّ ( مفلس ) الآخرة قد استنفذ كافّة فرصه فلا مجال للإصلاح أو تدارك ما تمّ إفساده ويمكن أن يٌقالَ له كالعنوان الذي كان لمسرحيّة قديمة " انتهى الدّرس يا غبيّ " . فالخسارة الحقيقيّة هي أن تخسر نفسَك ولو ربحت الدّنيا .



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات