رَفْعٌ ونَصْبٌ وجَرٌّ .. ومِنْ ثّمَّ جزْم


فالرفع سلوك مذموم في معظم حالاته؛ فرفع أسعار المشتقات النفطية يعقبه رفع أنين الفقير والمحروم والمقرور. والتّلويح برفع فاتورة الكهرباء يتبعه رفع منسوب الشكوى والتّذمّر والاستعانة بالبسملة والحوقلة وما أوتينا من استراتيجيات التّكلّف والتّجلّد والتّصبّر. ورفع الأقساط المدرسية الخاصة والجامعات الموازية وغير الموازية يرفع الصّريخ والصّياح بين الزّوج وزوجه كلّ منهما يفشّ غلّه بالآخر؛ وما يزال المواطن- رضي الله عنه- يتوجّس خيفة أن يأتي يوم يجد نفسه مرفوعا على خازوق بعد أن تنفد خيارات الرّفع أمام حكوماتنا الرشيدة، وهي تتوارى خجلا أو عجزا عن أعين من قادونا إلى هذه الحال التي لا تسرّ صديقا..... هذا إنْ افترضنا وجود أصدقاء لنا في هذه الأيام العسيرة.
وأمّا النّصب فأكثر سوءا من سابقه؛ فعندما يُنصَّبُ نصّابٌ في مَنْصِبٍ ما فإنّه يناصب المواطنين العداء، ويتحوّل إلى جرادة تأكل الأخضر ولا تُبقي يابسًا من بعد، فكيف بالله عليكم إنْ ابتلينا بأسراب من الجّراد والصّراصير والهوام. إنّ النَّصَبَ والبلاء والشّقاء الذين نتدثّر به منذ سنين وسنوات قد فصّلوه وخاطوه أسمالًا بالية نرتديها نحن وأولادنا وأحفادنا وحفدتنا. من ينصب منّا على آخر بدرهم أو دينار يُسجن ويُعزّرُ عليه على مرأى ومسمع الغادي والرّائح، ومن ينصب على وطن بمليار أو مضاعفاته تضيع قضيته وتسوخ كما تسوخ البوظة( الإيما) بين يدي طفل يستند إلى حاوية في يوم قائظ. تدور الأيام والليالي، وما يزال المسجون مسجونا، وما يزال الآخر طليقا لعدم توافر أدلة، أو لوجود خلل قانونيّ في إجراءات التّقاضي.
في حين أنّ الجرّ مقرون بالإهانة والمذلّة؛ فلان يتجرجر بين مخافر الشرطة لسوء أفعاله المشينة، وعلّان مجرور على المحكمة بسبب إشهار مسدس بوجه جاره لسبب تافه، وعلنتان كسر جرّة بعد انتقال مسؤوله أو تقاعده الذي كان يدير دائرته أو مديريته وفْق سياسة هذا زيد وذاك عبيد؛ هذا مرضيّ عنه وذاك مغضوب عليه. والاجترار ظاهرة بيولوجية عند الحيوانات ذات الكروش الواسعة، كما أنّه ظاهرة عند أصحاب الكروش التي لايملؤها تلزيم أو مناقصة أو احتكار...... وهلمّ جرّا.
وعليه، أجزم أنْ لا أمل يُرتجى؛ نسمع جعجعة ولا نرى طحنًا. نرى فسادًا ولكن لا نرى فاسدين في الجويدة أو غيره من سجون. نتذوّق المرّ والعلقم والعازة ولا نعثر على مزارعه. نلمس سرسرة وحرمنة ولكن دون إمساك بتلابيبهم ولا تمكّن منهم، فهم يروغون كما يروغ الثعلب أو الحصيني.
نشتم رائحة نيّة إصلاح بين فينة وأخرى، ولكن ذوي الكروش الوسيعة الواسعة تحبطه وتهدّ أركانه.
وبعد، لنعد إلى أيام التلمذة، فاستيعاب درس في قواعد اللغة العربية أيسر بكثير من استيعاب قواعد الحياة والواقع المرير الذي نعيشه؛ واقع يُنَصَّب النّصّاب فيه ويُستبعد فيه مَن يُستبعد.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات